أرى عصفورًا يخاصرُ عصفورةً متغنجةً… عبد الغني المخلافي / اليمن

أرى عصفورًا يخاصرُ عصفورةً متغنجةً
فوقَ ذراعِ شجرةٍ،
تحت بصري ترتمي طريقٌ مغبرةُ الملامحِ، على هضبةٍ تلوحُ كنزةٌ متآكلةٌ،
يالقساوةِ أنيابِ الشّتاءِ
لم تتركْ بقيةً من لحمِ العشبِ
للرّؤيةِ،
يالوحشيةِ الجفافِ
ليس في نبضها قطرةُ بللٍ،
السّماءُ تدركُ حجمَ مغبّةِ العطشِ
في حلقِ الأرضِ،
أشعلُ سيجارتي، أمجُ من شفاهها
بين مشابكِ أصابعي
أعزفُها كآلةِ مزمارٍ،
أرنو نحو هشاشةِ حمامةٍ
فوق عمودِ كهرباءٍ متصلبٍ
في قبضةِ الانطفاءِ
منذ رصاصةِ الحربِ الأولى
في قلبِ الوطنِ،
أداعبُ غصنَ قاتٍ
قبلَ أن أهضمَه بتلهفٍ
أضاعفُ نشوتي قبلَ دفقِ المخاضِ،
الطلقُ المهيَّأُ
أمهدُ لولادةِ جنينِ النّصِ،
النّابضِ في رحمِ الشّعورِ المهتاجِ،
أنزُ بالأحرفِ
تتفصدُ مساماتي بالكلماتِ،
البوحِ المكتنزِ،
كثافةِ التحفيزِ المعمولِ
بتتابعٍ
حتى لا تنخفضَ شعلةُ الاندياحِ في أواني الصّفحاتِ.
***
الكتابةُ في دمي، دونها يكتنفُني
شعورُ الموتِ،
خارجَ نطاقِ الزّمنِ
في ظلمةٍ كثيفةٍ
كجثةٍ هامدةٍ في عراءٍ ساخنٍ..
مأدبةٍ دسمةٍ لديدانِ الفراغِ وسباعِ العدمِ،
أنفاسي مقطوعةٌ
سقفي واطئٌ،
طريقي ضائعةٌ،
ساعاتي إبرٌ مسمومةٌ،
يومي سلحفاةٌ،
رؤيتي عمياءُ
فلا عزاءَ أو منفذ.
***
وَحْدكِ مَنْ أتُوقُ إليه
أنتظرُ قرعَ أناملِه على بابِ خلوتي
أسعدُ بعناقِه في كلِّ مساء..
أمسيتِ عضالي
إلى آخر حرفٍ.
لا مَنْ فيه المنفعةُ الحقةُ لفراغي…
حقيقةٌ ابتهجتُ بها
بعد انكشافِ الأغطيةِ،
اتضاحِ الشّخوصِ
في خشبةِ المسرحِ.
لستُ محتارًا
لا أبحثُ عن تفسيرٍ
بعد اِنْجِلاءِ الغموضِ كشمسٍ
في قلبِ السّماءِ الصّافيةِ.
لا أحتاجُ من يجالسني
أو ينادمني.
حرامٌ إراقةُ وقتي في اللا شيء.
ثريٌ في كلِّ الأحوالِ
أضربُ وعدي معكِ
عندَ خروجي إلى الشّارعِ
أو إلى الطّبيعةِ
كطقسِ استحضارٍ
أو استدعاءٍ
في هذه الأماكنِ.
أحذرُ انقطاعي منكِ،
كثيرًا ما أنتظركِ بين جدراني الأربعةِ
لا أرى في محيطي أحدًا
فمن الظّلمِ
أن أسمحَ لمن يغيّبني عنكِ.
***
لا يعنيني الخروجُ بثوبِ العمودِ،
بمعطفِ التّفعيلةِ، بقبّعةِ النّثرِ،
فقط الاتشاحُ بملائكتي بشياطيني،
بحليبِ بياضي،
بفحمِ سوادي
دون أحجيةٍ،
أبدو عصفورًا يرمي عصفورةً بوردةٍ،
دمعةً ثكلى يسفحُها الفقدُ،
نجمةً تتبرجُ في وجهِ السَّماءِ،
زفرةً عاشقةً متضورةً من الهجرِ،
فلذةَ جلمودِ صخرٍ،
حمامةً تشكو الخرابَ
على بناءٍ متهدمٍ،
الذّواتَ المتناقضةَ..
الإنسانَ بطبعه…
أتضوّعُ بروائحِ الوردِ، عفنِ المزابلِ،
أصعدُ إلى الذّرى،
أهبطُ نحو القيعانِ،
أستكنه الدّواخلَ
ولا أزيّفُ منابعَ الإحساسِ
أو ألوّنُ السّريرةَ،
أصعدُ سلالمَ الفنِّ.. أفرشُ قلبي للتّصفحِ،
أزاحمُ النّجومَ، أسابقُ القمرَ
وأعلّقُ مصابيحي.
***
أركبُ جموحَ الضّوءِ
أرومُ بالصّهيلِ سدرةً بعيدةً
لا أرتضي التحافَ القاعِ،
كقنديلٍ مُضاءٍ بزيتِ التّمني،
تنمو حروفي كأغصانٍ رابيةٍ، تُسقى بالأغاني
لا يلحقني التّدني
أهفو إلى سماءِ الشّعرِ كإسراءِ نبوةٍ
وأهبطُ بالصّلواتِ.









