علي الحفناوي يكتب :عُمان

لم أكن أتصور يومًا أن أندهش ببلد خليجي كما أُعجبت بعُمان وعاصمتها مسقط. ففي يناير 2010، اكتشفت لأول مرة هذا البلد العربي الجميل المطل على مدخل الخليج العربي من جانب، وعلى المحيط الهندي من الجانب الآخر. لم تكن عُمان تشبه أيًّا من البلاد التي عرفتها جيدًا في منطقة الخليج مثل قطر ودبي وأبو ظبي وغيرها؛ ففي حين تبنت تلك الدول الخليجية ظاهريًا نظريات وأساليب التنمية والحداثة الغربية، احتفظت عُمان بطابعها الشرقي المتأقلم مع البيئة والمناخ السائد، بعيدًا عن ناطحات السحاب والمولات الضخمة والمظاهر الخادعة، التي هي في النهاية قشور شكلية لحضارة استهلاكية غربية تم استيرادها بأموال النفط التي وهبتها لهم الطبيعة الجيولوجية دون تعب أو إرهاق.
وجدت في عُمان بيوتًا معتدلة الحجم والارتفاع، متناسقة الألوان البيضاء. وجدت بها شوارع لم تتحول إلى طرق سريعة ذات خمسين حارة. والأهم: وجدت في عُمان شعبًا حضاريًّا متأصل الجذور، يعيش على الفلاحة والصيد، ويعمل مثل كل الشعوب المتحضرة، بعيدًا عن نعيم بطالة الأثرياء. فمنهم قائد سيارة أجرة أو كناس للشوارع أو تاجر في حانوته الصغير أو مهندس أو طبيب، كلهم يعملون بعزة وكرامة وشموخ دون أي ادعاءات فارغة. وفي أرياف عُمان، وجدت الريف والفلاحين والبهائم، وأراضي خضراء اللون وشلالات المياه والجداول وآلات الري والفلاحة بأنواعها. لذلك كله، عرفت أن الشعب العُماني شعب طيب ذو حضارة قديمة، لم يمرض بعقد النقص التي نجد آثارها عند أحفاد شعوب لم ترتبط بأرض، فعاشت تتنقل في الصحاري الشاسعة بحثًا عن الرزق والماء، إلى أن استوقفتهم آبار النفط.
أدركت أثناء تجولي في عُمان البعد التاريخي لهذا البلد، الذي كان يهيمن على مضيق هرمز في مدخل الخليج العربي، ويهيمن على المحيط الهندي في المنطقة الواقعة بين شبه القارة الهندية وقارة أفريقيا، حتى أن البرتغاليين أطلقوا عليه اسم “شاطئ القراصنة” نظرًا لقوة أسطول عُمان البحري. فكان ذلك نتيجة للموقع الجغرافي، تمامًا مثلما كان موقع مصر الجغرافي سببًا في هيمنتها على محيطها الإقليمي خلال العصور القديمة.
من جهة أخرى، قامت عُمان بدور محوري في إدخال الحضارة الإسلامية إلى أفريقيا والهند، فكان لها موقع تحت سيطرتها بشرق أفريقيا في زنجبار حتى وقت قريب، حيث لا يزال أحفاد العُمانيين متواجدين بها ولهم شأن كبير حتى الآن. فقد كانت زنجبار سلطنة مستقلة يحكمها عمانيون حتى عام 1964، ثم وقعت بها ثورة جعلتها تتحد مع تنجانيقا لتشكيل دولة جديدة باسم تنزانيا المتحدة، مع احتفاظ زنجبار بشبه استقلال داخل تنزانيا. وفي زنجبار مدينة “ستون تاون” المصنفة ضمن التراث العالمي لتراثها العربي والإسلامي وأسواقها القديمة التي لا تختلف عن أي مدينة عُمانية. وللعلم، من المعروف أن مصر قد ساعدت زنجبار على نيل استقلالها من سلطنة عُمان سلمياً سنة 1964.
على مدار ستة أشهر من يناير 2010، ترددت على عُمان كثيرًا، بل وأقمت فيها بعض الوقت خلال تلك الأشهر أثناء عملي مع مجموعة “ساويرس” لإدارة بعض مشروعاتهم السياحية هناك. فكان اكتشافي لهذا البلد ولعظمة هذا الشعب الطيب العريق ملهمًا لي. ولأسباب مختلفة لم يمتد عملي هناك لوقت طويل، فاكتفيت بالتعرف على مواقع العمل في مسقط وصلالة وسيفا، وتجولت في جبالها ووديانها أثناء أيام العطلات، فرأيت الفلاح العُماني وهو يكد ويعمل مثلما كان يعمل الفلاح المصري قبل أن ينجذب لأضواء المدينة أو لأموال الخليج. كانت فترة قصيرة لكنها تركت في ذاكرتي الكثير عن أرقى بلاد العرب.









