مصطفي السعيد يكتب :المأساة أكبر وأوسع بكثير من غش المياه “المعدنية”

كنت قد كتبت منذ عدة شهور أنني اشتريت عبوتي ماء تسمى “معدنية”، ولاحظت أن لون الماء أصفر، فقلت لصاحب السوبر ماركت أليس لونها أصفر، قال غالبا من الإضاءة، فلما دخلت البيت، وفحصت الماء تأكدت أنه أصفر، فتحت واحدة، وصببت كوبا، لأقارنه بمياه الحنفية، فتأكدت أن ماء الحنفية أكثر صفاء بوضوح.. حملت العبوتين إلى مدير السوبر ماركت، فقال يمكن أن تعيدها، ثم أضاف: يبدو أن فلاتر الشركة فيها عطب أو عطل. اندهشت، وقلت هل هي مياه حنفية مفلترة، فقال وماذا تظن؟ هل لدينا ينابيع مياه معدنية؟ مؤكد أنها مياه حنفية مفلترة، ونصحني أن أشتري فلتر جيد، بدلا من شراء مياه حنفية مفلترة، يقال أنها معدنية.
المشكلة لا تقتصر على المياه، فالكثير جدا من السلع مغشوشة، والرقابة شبه معدومة، وكذلك الضمائر. وعندما تغيب الرقابة أو تفسد، تصبح حياتنا مهددة.
شاهدت واقعة تكشف فساد الرقابة، عندما كنت في مطعم عريق، وجاء مفتشون، وحملوا كميات ضخمة من اللحوم، بينها خروف مذبوح كامل، وعندما سألت صاحب المحل لماذا يحملون كل هذه الكمية من اللحوم، قال بحزن : إذا منعتهم من حمل ما يستطيعون من لحوم، سيحررون ضدي عددا هائلا من المخالفات، لهذا أتركهم تجنبا للقضايا، وإغلاق المطعم بالشمع الأحمر، وتسوء سمعة المطعم، وأدفع مبالغ مضاعفة، وربما السجن.
هذه هي الطامة الأكبر، أن الرقابة تحتاج إلى رقابة. وعندما ضجت الدنيا من واقعة نشر شابين مقطع فيديو عن غش مياه معدنية، كان الأكثر إدهاشا الرد الرسمي، الذي قال إن استخراج أي تصريح بانتاج مواد غذائية لا يتم إلا بعد معاينة المكان، والتأكد من تجهيزاته، وكأن لا رقابة إلا أثناء استخراج الترخيص، والذي يسهل التلاعب فيه بتجهيزات مؤقتة، أو غير كافية لكل الإنتاج، فالرقابة على الأسواق، خاصة المنتجات الغذائية ضروري للغاية، خاصة الإعلانات على الإنترنت، والتي تشاهد فيها سلعا تبدو جيدة، بينما يأتي إليك أخرى.
أما الأغرب أن هناك ينادون بمكبرات صوت في الشوارع لشراء بقايا زيوت الطعام غير الصالحة من البيوت مقابل مبالغ بسيطة، وعندما سألت عن سبب شرائهم لبقايا زيوت غير صالحة، علمت أنهم يعيدون تصفيتها من الشوائب بطريقة معينة، تجعلها تبدو نقية مثل أي زيوت صالحة، ويجري تعبئتها في عبوات يأتون بها من صناديق القمامة، بعد غسلها، ولصق ورقة منسوخة من أي نوع من الزيوت المعروفة. كيف يتحرك هؤلاء بمكبرات صوت على مرأى ومسمع الجميع من أجل شراء وإعادة تدوير زيوت فاسدة تدخل في معظم أطعمتنا؟ مسألة الرقابة والغش أكبر بكثير من الفيديو الشهير، حتى صرنا نتعامل مع الفساد والغش من السلع إلى الإنتخابات إلى التعليم والصحة وكأنها أمر واقع لا مفر منه، وهذا يعني أننا نسير بأسرع ما يمكن نحو هاوية أعمق مما نتصور.
أرجو أن نتحرك، وأن يدرك المسئولون حجم الخطر، لوقف هذا الإنهيار الأخلاقي الذي تفشى إلى هذا الحد المرعب.







