رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :في انتظار الليلة الرابعة

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا


كتبت مرة رسالة الى المرحوم المفكر هادي العلوي عام 1989 أقول فيها مافائدة أن نكتب اذا لم يكن هناك من يقرأ؟ وكان جوابه” نحتاج الى قارئ واحد يصدقنا ويضع حداً لهذه الحكاية المملة”. والعلوي أفضل من قرأ التاريخ الاسلامي وفسره من منطقة تفكير مختلفة بشهادة صادق جلال العظم في كتابه” ذهنية التحريم” وغيره.
ومع ان العبارة تتحمل التأويل لكن بالعودة الى التاريخ العربي الاسلامي نجده لم يخضع لتسلسل أو سياق أو منطق وان شخصاً واحداً قادراً على صناعة تاريخ من خلال نزوة أو انتقام أو حماقة أو ثأر.
منذ منتصف القرن الماضي لكي لا نذهب أبعد ثلاث ليالي عراقية شكلت تاريخاً يثبت أن التاريخ ليس دائماً تراكم أحداث منطقية بل حماقات.
التاريخ ليس خطاً مستقيماً كما يعتقد البعض، ليس نتاج حتميات ونتائج ومقدمات،
بل تلعب النزوة والحماقة والصدفة دوراً كبيراً في تغيير مسار التاريخ.
سلاطين وأمراء تم خنقهم وهم سكارى خلال النوم بوسائد زوجات غيورات،
آمراء قتلوا بخناجر الأبناء أو الإخوة وتأسست ممالك ومشايخ على جثثهم،
آخر خلفاء الدولة الأموية مروان بن محمد إنزوى
في ساحة حرب لقضاء الحاجة، فجندله عدو فوقها بسهم في القلب،
وفي حملة الامبراطور الروماني جوليان 363ب. م على بابل قنص له قناص في تمارا ـ سامراء اليوم بسهم مسموم،
فتهدل من فوق جواده كجورب عتيق وفشلت الحملة.
ليس حتماً التاريخ تسلسل حوادث. هناك قفز وطيش ورعونة وأمزجة،
رصاصة واحدة في رأس تيس كبير تقلب الأحداث في دول لا تحكمها مؤسسات وتقاليد في السياسة والقانون.
في بلد كالعراق تلعب فيه الحماقة السياسية والنزوة والرغبة والأساطير دوراً في صناعة تاريخ واحداث كبرى. لا نستغرب أن حدثاً تافهاً يوماً قد ينزلق بالبلاد نحو مجهول أو مخاطر،
خاصة في مجتمع تلعب فيه قداسة الفرد دوراً كبيراً وفي حال تعرضه للإغتيال يخرج الأتباع عمياناً.
لا يقترب المؤرخون من شهادات المهمشين ومن الزوايا المهملة ولا من القاع الاسفل لان التاريخ الحقيقي ليس في الوثائق الرسمية المكيفة بل التاريخ من الاسفل People’s history or history from below سردية المهمشين والمبعدين من الشهادة كالحراس والجنود والخدم وربات البيوت وبنات الليل والسواق وندل المقاهي ومن على صورهم.
ثلاث ليالي لعبت دوراً في تاريخ العراق:
*الليلة الأولى: كانت راقصة ملهى تعرف ساعة الصفر في الانقلاب على الزعيم صباح 8 شباط 1963 عن طريق عشيق ضابط إنقلابي.
ماذا لو أخبرت الزعيم؟ هل كان التاريخ سيأخذ مسار اليوم؟
* الليلة الثانية: كان العقيد الركن سعدون غيدان آمر الحرس الجمهوري، الكولونيل المعروف في مجالس كبار الضباط بتمرده من الخصر فما تحت، للرئيس عبد الرحمن عارف شريكاً مع الانقلابيين،
وكان عليه تسليمهم مفاتيح القصر الجمهوري فجر 17 تموز 1968،
لكنه نسي ساعة الصفر وكان يقضي ليلة حمراء مع عشيقة وجاء في اللحظة الأخيرة، مترنحاً كتاريخ يترنح على وشك التشكل.
ماذا لو نسي تماماً؟
الليلة الثالثة: الأطفال الذين ولدوا منتصف ليلة الغزو 20 آذار 2003 بذريعة طاغية أهوج، هم اليوم في الشوارع بلا أمل ولا مستقبل، أبناء ليلة الغلطة الذين يواجهون مستقبلاً مجهولاً في بلد تحت الاحتلال وفاقد للسيادة والثروة وأعداد من هؤلاء وجدوا في جماعات سياسية هوية ومكانة وبعضهم بلا تعليم وستأتي اللحظة التي ينتقمون فيها من هذا المجتمع كما فعل طفل التاريخ الدكتاتور الذي صنع مجتمعاً محطماً على صورته ـــــــــــــــ المجتمع المستشفى العقلي ــــــــــ وانتقم من ماضيه بحجة السياسة وهو شخصية سيكوباتية مريضة استعمل السياسة كغطاء.
إختلفت طرق أجيال الليالي الثلاث لكن تاريخنا اليوم في النهاية هو تراكم تلك الليالي، والتاريخ يسخر أحياناً، لكننا اليوم في انتظار الليلة الرابعة ،
ولن تكون أفضل من باقي الليالي وقد تكون الخاتمة.
لنتخيل تاريخ وحياة بلد من صنع حماقات ونزوات ومصادفات وهو تاريخ مستمر .
تخيل المستقبل جزء من توقعه والبعد المستقبلي ملغي من تفكيرنا الذي يمضي في اتجاه واحد، لكن أحداً لا يستطيع التكهن من سيصنع الليلة الرابعة وهل سيكون مفتناً من الخارج لاعادة ترتيب السلطة أم من جيل منتصف ليلة الغزو أم من حمقى الأيام وما أكثرهم؟
إن جرائم القتل في السنوات الأخيرة ــــــــــــ وأكثرها من وسط قريب ـــــــ الأكثر بشاعة في تاريخ البشر تثبت بالدليل القاطع ” ولادة الذئب” الذي سيلتهم الجميع يوماً على مراحل ويستحم بالدم في الشوارع وتثبت زيف العلاقات الانسانية القائمة على الأقنعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock