كتاب وشعراء

حياءُ القرآن… ونورٌ لا يَبهت … بقلم ولاء شهاب

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

يظلّ القرآن الكريم هو النور الهادي في كل زمان، والمرجع الذي لا يَخبو ضياؤه مهما تغيّرت العصور وتبدّلت الأذواق. ومن أبلغ ما جاء فيه من تصويرٍ للجمال الإنساني—وخاصة جَمال المرأة—ما قصَّه الله تعالى في مواضع عدة، فجاءت المعاني نقية، رفيعة، ومفعمة بالدقة والسمو.

🔸مشية “على استحياء”… ودلالة عُمقها
من الآيات التي تأسر القلب وتستوقف العقل

قول الله تعالى في سورة القصص:

﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ۖ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾
القصص: ٢٥

هذه الفتاة هي صافورا—ابنة الرجل الصالح الذي آوى سيدنا موسى عليه السلام في مدين، والتي أصبحت زوجته لاحقًا ورافقته في رحلته إلى مصر.

توقّفت كثيرًا عند لفظ “على استحياء”؛ لأنه وصفٌ ربانيّ لا يشبهه وصف.
إنه حَياءٌ راسخ، لا تصنّع فيه ولا ادّعاء، حياءٌ يظهر في المشية والنبرة والسلوك، حياءٌ لا ضعف فيه بل قوة ووقار.
وهنا يقدّم القرآن نموذجًا خالدًا لأنوثة رفيعة بلا مبالغة… وكرامة بلا صلف… وحياءٍ هو زينة لا يُدانيها شيء.

ومقارنةً بذلك، نرى اليوم من تستهين بالحياء وتعدّه “تخلّفًا”، بينما هو في الحقيقة تاج النُبل ومعيار الرفعة منذ أن نزل الوحي إلى قيام الساعة.

🔸ملكة سبأ… ووقار الستر
وفي سورة النمل يعرض الله مشهدًا آخر، يقول تعالى:

﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ لُجَّةً حَسِبَتْهُ مَاءً فَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ﴾
النمل: ٤٤

المرأة هنا هي بلقيس، ملكة سبأ التي حكمت قومًا يعبدون الشمس.
جاءت إلى سليمان عليه السلام في أبهى صورة الملك، ومع ذلك يبيّن القرآن أنها كانت ساترة لجسدها بحيث لم تتردد في كشف ساقها فقط كي لا يبتل ثوبها، لأنها كانت محتَشمةً حتى قدميها.

إنه تصوير يَنسف الفكرة الشائعة بأن المرأة القوية أو صاحبة السلطة لابد أن تتخفّف من سترها.
بل إن القرآن جعل الاحتشام جزءًا من الوقار،
لا نقيضًا له.

🔸نور القرآن… وخصام الإنسان
ورغم وضوح هذا النور الرباني، يعيش الناس اليوم في حالة خلاف وجدال لا ينتهي حول ما هو بديهي، وكأنهم ينسون قوله تعالى:

﴿ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾
الكهف: ٥٤

لدينا جميعًا بين أيدينا كتابٌ يهدي ويُرشد، يقدّم صورة المرأة وكرامتها وجمالها كما أراد الله، ومع ذلك يجرف البعض أنفسهم خلف تصوّرات زائفة، وموضات زائلة، ومفاهيم مُشوَّشة تبتعد كل البعد عن النور الواضح الذي أنزله الحق سبحانه.

🔸الخلاصة :
ليس الحديث عن مشية فتاة ولا ثوب ملكة… بل عن قيمٍ خالدة:

* عن الحياء الذي هو رفعة لا ضعف.
* عن الاحتشام الذي هو جمال قبل أن يكون التزامًا.
* عن الهُدى الإلهي الذي سبق الزمان وتخطّى حدوده.
* وعن إنسان يميل إلى الجدل حتى في الحقائق الساطعة.

فالقرآن لم يقدّم فقط أحكامًا… بل قدّم صورًا إنسانية مضيئة، تُعلّمنا أن النور ليس في ما نراه بأعيننا، بل في ما تُثبّته القلوب حين تهتدي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock