كتاب وشعراء

رسالة شوق بقلم الكاتبة نرجس يوسف جزه /سوريّة

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

من كيان إلى غيث

أيا غيثَ فؤادي
سلامٌ بقدرِ شوقي، بعدد النجوم إن أحصيت، ورمل البحرِ إن عددت
قرأتُ رسالتك، ومع كلِّ حرفٍ فيها كان قلبي يرتعدُ.
أعرف الشّوق، لكنّني منذ رحيلك عرفتُ نوعًا آخر لا يُشبه غيره؛ شوقٌ يمشي بي حيثما شاء الهوى.
اشتقت إليكَ بطريقةٍ تُربكني، كأنّك روحي الّتي فارقت جسدي، وكأنّ الحياة لا تعمل إلا إذا فكّرتُ فيكَ في كلِّ لحظةٍ، صورتك محفورةٌ في ذهني بجميعِ أحوالي
لقد غدوتَ قطعةً من قلبي، وكيف للقلبِ أن يتخلّى عن نفسه؟!

منذ سافرتَ يا غيثي وأنا أعيش على شكل نصف؛
نصف عقلٍ يفكّر بك، ونصف روحٍ تنتظرك، ونصفٌ يتساءل: كيف عساي أحتملُ هذا الفراغ؟
الغربة ليست مجافاة أوطاننا… الغربة أن يكون الذي يشبه الوطن بعيدًا، وأنت وطني الّذي غاب.
أقسم لك، كلّ ليلةٍ أضع رأسي على وسادتي فأسمع صدى خطواتك في رأسي، أنتظرك كما تنتظر الأرض اليبابُ المزنَ حتى تروي ظمأها بقطراتِ المطر.

طلبتَ مني أن أحدّثك عن هالة… وأنا بالكاد أستطيع أن أكتب دون أن ترتجف يداي.
هالة يا غيث… طفلةٌ كانت تشبه الرّبيعَ، ومنذ يوم زفافها، مات شيء في عينيها.
لم تعد تبتسم كما في السّابق، قد فقدت طفولتها وكبرت قبل أوانها، لكنّ كبرها لم يكن نضجًا… كان وجعًا.
من المسؤول؟
أبوها؟
زوجها؟
من عقد القران؟
كلّهم شركاء
كلّ من سكت وجهِل و قال “عاديّ”، كلّ من اعتبر طفلةً مشروع امرأةٍ.
ثمَّ غفت هالة غفوتها الأخيرة وهي تحاول أن تجلب حياةً، ومات الطّفل معها.
وماتت أمّها بعدها مرّتين… مرةً يوم زواجها، ومرةً يوم مصابها.

غيثي… وأخيرًا
أمّا عنّي…
أشتاقك بطريقةٍ تجعلني أخاف… أخاف أن أعتاد البعد، أو أن أضعف فأبكي كلّ عشيّةٍ وأنا أقاوم.
فلا تسأل، فالقلوبُ لا تُسأل حين تحبّ، بل تُؤخذ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock