تقارير وتحقيقات

ما بين جرائم غزة، وظلم العالم، والصحة النفسية .. لماذا ينتشر الإسلام والإلحاد في بريطانيا؟

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

كشفت دراسة بريطانية حديثة عن تحول لافت في الخارطة الدينية للمملكة المتحدة التي يقطن مكوناتها الأربعة (إنجلترا، اسكتلندا، ويلز، أيرلندا الشمالية) حوالي 69.3 مليون نسمة، حسب إحصاء عام 2024، حيث تتراجع الأديان “التقليدية” أمام نزعات “فردية” أكثر ارتباطًا بمشاعر العدالة والصحة النفسية.
إذ تُظهر نتائج البحث الذي أجراه معهد “تأثير الإيمان على الحياة” (IIFL)، ونشرته صحيفة ‘التلغراف’ اليوم، ارتفاعا ملحوظا في أعداد البريطانيين الذين يعتنقون الإسلام (6.5% من تعداد السكان)، وتراجعًا ملموسًا في عدد المنتمين للديانة المسيحية بمختلف طوائفها (46% من السكان). كما تُظهر تزايدا مطردا في التوجّه بشكل عام نحو “الإلحاد” أو “اللادينية” (38% من البريطانيين أفادوا بأنهم لا يتبعون أي دين “مؤسسي”).
لكن أكثر ما أثار شهية الإعلام (واللوبي الصهيوني) في نتائج الدراسة التي أُجريت على عينة شملت 2,774 شخصاً قاموا بتغيير معتقداتهم الدينية في السنة الأخيرة، هو ما كشفته عن “دوافع” التحول.
إذ قال 20% ممن تحولوا إلى الإسلام إن الانحياز الغربي الصارخ في الصراعات الدولية ومشاهد الإجرام الإسرائيلي في غزة كانت العامل الأبرز وراء قرارهم. ويوضح التقرير المنشور أن شريحة كبيرة من معتنقي الإسلام حديثا، خاصة من فئة الشباب، يشعرون بأن العالم أصبح “أكثر ظلماً”، ويعتقدون أن الإسلام كديانة “تقوم على الأخلاق والعدالة”، ويتشككون أكثر في “نزاهة” التغطيات الإعلامية.
بينما أشار 18% ممن تخلّوا عن فكرة الدين بالكلية (أي ألحدوا) إلى أن “الصحة النفسية” كان لها التأثير الأكبر في قرارهم.
وفي المقابل، سجلت المسيحية أعلى نسبة تراجع بين البريطانيين. إذ تخلّى عن الكنيسة الأنغليكانية 44% من المشاركين في الاستطلاع، وكانت دوافعهم الرئيسية -حسب الدراسة- هي تفاقم الشعور بالحزن وافتقاد الصلة الروحانية (31%) والاعتلالات النفسية (23%)، وليس الاقتناع بأفضلية الأديان “المنافسة”.
ومن بين عديد التعليقات على فحوى هذه الدراسة ومدى “علمية” تمثيلها للمجتمع البريطاني، جذبتني تحليلات الإعلام العبري وملاحظات التيار “الصهيوني” التي رأتها في مجملها “خطرا محدقًا” يتطلب سرعة التحرك، ويربط التنامي في اعتناق الإسلام بأوروبا مع ارتفاع حوادث “معاداة السامية” (يستشهد معظمها ببيانات صندوق أمن المجتمع Community Security Trust (CST) -وهي مؤسسة خيرية بريطانية مكرسة لحماية الجالية اليهودية- التي أشارت إلى زيادة مظاهر العداء لليهود في بريطانيا بنسبة 400% منذ هجمات 7 أكتوبر 2023).
وفي هذا السياق، تقول صحيفة ‘جيه فيد’ JFeed الإسرائيلية نصًا: “هذا ليس تنويراً روحياً؛ بل ‘أسلمة’ خطيرة للغرب، حيث تتفوق دعاية حماس الإرهابية بمقاطع التيكتوك المزيفة، وتستغلّ الروايات المتطرفة الغضب الانتقائي لغسل أدمغة السذّج في أوروبا”.
بينما اعتبرت كاتبة مقال رأي في ‘يديعوت أحرونوت’ أنه بالنسبة ليهود بريطانيا البالغ عددهم 270 ألف نسمة (حسب كلامها)، والذين “يواجهون القنابل الحارقة، وهتافات اقتلوا اليهود بالغاز”، فإن نتائج الدراسة المنشورة في ‘التلغراف’ لا تعكس تقدمًا ليبراليا، بل تعبّر عن “خطر محدق بمصالحنا”.
أما موقع قناة ‘آي نيوز 24’ العبرية، فيستشهد -في تناوله للموضوع- بالتحذير الذي أطلقه ‘مات جوكس’ رئيس إدارة مكافحة الإرهاب في بريطانيا، في يناير 2024، بأن “حرب غزة أدّت إلى توهج النشاط الإسلامي وتصاعد الأفكار المتطرفة”.
والحقيقة، لا أدري إن كانت “محض صدفة” أن يتزامن مع نشر هذه الدراسة (المثيرة للجدل) في ‘التلغراف’ البريطانية (المعروفة بميولها المحافظة ومحسوبة تاريخيا على حزب المحافظين)، تقرير جديد نشرته ‘التايمز’ (ذات التوجه اليميني الصريح) يتناول لمجموعة برلمانية مشتركة بعنوان “حان وقت التحرك”، اعتبر أن التطرف (الذي يُفهم من ثنايا الموضوع أن المقصود به حصرا “الإسلامي”) أصبح أحد أخطر “التهديدات الأمنية والاجتماعية في المملكة المتحدة”، في ظل غياب استراتيجية حكومية لمعالجة الظاهرة.
ويستشهد تقرير ‘التايمز’ بأحداث شغب صيف 2024 والهجوم على كنيس يهودي في مانشستر في أكتوبر 2025. وبحسب الأرقام الواردة في التقرير، ارتفع عدد جرائم الكراهية المسجلة لدى الشرطة إلى ثلاثة أضعاف المستوى المسجل قبل عشر سنوات. كما سجّلت حوادث “معاداة السامية” ارتفاعا نسبته 589٪ !!
اللافت في رد الفعل الصهيوني لم يأبه في تناوله لنتائج دراسة معهد IIFL، إلا بجزئية الارتفاع المطرد في أعداد معتنقي الإسلام في بريطانيا وربطها بالارتفاع المطرد -حسب مزاعمه- في مظاهر التطرف والعنف المجتمعي، بينما غابت تماما أي محاولة -ولو شكلية- لتحليل مغزى تنامي ظاهرة التوجه نحو التخلي عن الدين، أو تأثير تزايد الإلحاد وتراجع المسيحية -مثلا- على مستقبل اليهودية في أوروبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock