العودة للحياة / بقلم الكاتبة/ إكرام التميمي/ الأردن

فجأة، اقتربت السيدة مارجريت منه أكثر، أمسكت بيده كما لو أنها تمسك بإنسان يغرق في ظلمة لم يرها أحد غيرها.
تجمد في مكانه، رفع رأسه المرتجف،
والتقت عيناه بعينيها، كان فيهما شيء يشبه الرجاء. وشيء آخر يشبه الخوف الذي يسكن قلوب المنكسرين .
قالت بصوت خافت:
أتعرف الإنجليزية ؟ لم يجب.
لكن شفتيه نطقت بكلمات لا تشبه الإنجليزية ولا الإسبانية، كلمات سريعة متلعثمة، لغة متكسرة كلمات لم تفهمها .
سحبت يده برفق، وكأنها تعيد طفلاً تائهاً إلى الحياة .
لم يقاوم.
وقف أمامها مثل ظل بلا صاحب .
سألته: ما إسمك؟
همس بصوت خافت: لويس مارتن .
تراجعت للوراء ، فهذا الاسم تعرفه تمام المعرفة.
أنه الاسم الذي كان من ألمع طلاب الجامعة في اللغات قبل ثلاث سنوات،قبل أن يختفي بلا أثر.
اتسعت عيناها، واختلطت دهشتها بوجل.
سألته: أنت الطالب الذي كان يتحدث سبع لغات؟ ما الذي حدث لك؟
ارتعش جسده، رفع يديه إلى رأسه، وكأن الكلمات تتصارع داخل جمجمته .
قال وهو يتراجع نحو الحائط:
اللغات، أصوات كثيرة ،لا تسكت، لا يتركوني.
ثم جلس على الأرض وضم ركبيته لصدره،كالمطارد من شيء لا يعرفه .
اقتربت منه السيدة بخطوات ثابته، وضعت يدها على كتفه.
قالت: لن أتركك هنا .. دعني أساعدك .
رفع عينيه إليها، وفي تلك اللحظة،بدت كأنها أول مرة يرى فيها بشراً لا يخاف منه.
سألها بصوت متحشرج :
ستعيدينه للعالم؟ أم ستعيديني للجنون .
ابتسمت، رغم ان قلبها كان يرتجف .
سأعيدك ..لنفسك.
للحظة قصيرة شعرت أن الشاب الذي فقدته الجامعه منذ سنوات عاد للحياة.
ولأول مرة، ابتسم لويس ابتسامة صغيرة لكنها حقيقية .
ثم همس:
إذن..لن أبحث عن الخبز بعد الان.
وتركا المكان .
وبقي البرميل شاهدا على عودة رجل من حافة الجنون إلى باب الرحمة .
✍️اكرام التميمي









