حياةٌ بعد اِنكسار/ بقلم الكاتبة المبدعة/ نورا العبسي/ اليمن

كان أشعثُ الرأس، مُمُـزق الثياب؛ كالمجانين تمامًا بثيابٍ رثـةً وَمُمَزقـة، أشواكُ تَسكُنّ قدماه؛ كما تسكُن الشياطين في المنازل التي تخلو من ذكر اللّٰه، رائحته كرائحة جُثة مُتفنة، يأكل من بقايا الطعام من براميل القُمامة!
أتت السيدة ماريانا من كُلية اللغة، فصادفته علىٰ قارعة الطريق؛ ولأن قلبُها تأثرتْ لِمَ يحصلُ لِهذا الشاب، اقتربت منهُ أكثر غير خائفةً مما قد يلحقه بها، سمعتهُ يُحدث نفسهُ بلغة إنجليزية طليقة، وتارة يتكلم الإسبانية، تأثرت من طريقة نطقهُ لِلكلمات، وهو بهذه المنظر يُفتش في برميل القُمامة؛ عن كِسرة خبزٍ؛ يُسد رِمق جوعه، فجأة! تقدمت منه، امسكت بيده ثم شعرت بشيءٍ يجمعهُما، تراجعت للخلف قليلًا، أما هو فقد شعر بشيءٍ يسري خلف ظهرهُ، لم يستطع النظر، طأطأ عيناهُ من الخجل، ماريانا تمعنت لتلك الشامة التي ورَثتُها مِن حبيبُها، أصابتُها الدهشة!، لا لا ليس هو، إنما شخصًا آخر آ آ آ أوقان..
تنذرف العينان صمتًا، وينبض القلب خوفًا، قدماها لا تحملهُما من الصدمة، توجهت إليه، تصرخ عاليًا، تمسك بقميصهِ المُمزق، عيناه المهزولتان، جسدهُ الشاحب، صوتُه الهزيل، شعرهُ يكسوهُ البيضاء، بكاء بصمتٍ، يجعل مِنْ كُل مارٍ يُصابُ بالحيرة!، كيف لِاِمرأة ذات شعرًا لونهُ؛ كسواد الليل، وعيناه؛ كحبتي بُن وجمالُها؛ كبدرٍ أن تحتضن رَجُلًا بِكُل هذه الاِشمئزار.
أُناديك باِسمُك الحقيقي، أما كما تعاهدنا؛ أجب؟
عانق جسدي؛ وكأنهُ احتضن قلبي، شهقاتهُ المسلوبةً من وجع الأيام، والدي من جعل مني ما تريه يا ماريانا، جرد كُل شيء أملكُه، حتىٰ أنهُ سلب مني ملابسي، وبطاقة الاِنتماء، لم يترك لي شيء حتى روحي انتزعت؛ عندما اَبعدني عنكِ، جعل روحي في سجنٍ لا ينبثق منها ضوءٍ، ولا حتى هواءٍ أستنشقهُ، وطعامٍ كهذا الخُبز لا يوجد ماء، فذاتِ نهارٍ نسي البابٌ مفتوحًا وفزت قلبي فرحًا بِالهُروب، لا أعلم أين أنا وفي إي مكان، كُنت أجرُ جسدي جرا، ابتعدتُ كثيرًا عن ذاك القصر، ولا أعلم كيف وصلتُ إلىٰ هُنا؛ وكأن مُعجزة الرب تنتظرني، وشعرتُ بالجوع وأصبحتُ أبحث عن رغيفٍ يسدُ جوعي؛ هُنا فقط عانقتهُ بشدة؛ وكأن الحياة عادت من جديد عندما أتأمل عيناك التي أحببتُما بشدة، أتأتي معي لِنُكمل ما بدأنا بهِ، لِنُنهي تلك المأساة التي جعلت منك؛ مسرحيةٍ ينتظروا إعلان الاِنتهاء، وتتم تلك الرقصة التي تليق بنا وخُلقت من أجلي، نضع الكون جانبًا ونتكور بداخل بعضنا حياةً أو موت ولِنكُن معًا، ننطِق كلمتُنا الأخيرة، بذاتٍ اللحظة، بحماسٍ مُفرط، وشوقٍ لاهثٍ، تتشابك أيدينا، ونذوق سُكر الحُب مُجددًا، تعال!، فبعد قليل ستستيقظ الوحوش في رأسي وتتراقص شياطين الشوق في جوفي، لقد سئمتُ الاِنتظار والحنين، وغُربةً روحي عن روُحك، أخترت أن أفعل ما يُمكنني فِعلهُ، فضّلتُ الغرق في مُحيطُك على العوم أمامُك دون أن أخبرك، أختلقت الحياةُ مُجددًا؛ لِتكون أكثرًا ثباتًا في حياتي.
ـ نُورا العبسي.









