طلاسم العلاقة المصرية الإسرائيلية في “الطبخة” الأمريكية: لماذا يتشوّق النتنياهو للقاء السيسي؟

كتب:هاني الكنيسي
كانت المرة الأخيرة التي وطأت قدما النتنياهو المتسختان أرض مصر في 6 يناير عام 2011 (أي قبل أسبوعين فقط من ثورة يناير وعيد الشرطة)، حين التقى الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في شرم الشيخ. ويُقال أنه زار القاهرة “سرًا” قبل ذلك عدة مرة، فضلا عن زيارة واحدة “رسمية” (18 يوليو 1996).
وبرغم أن الإعلام العبري (وبعض المصادر الأمريكية) تزعم أن النتنياهو قام بزيارة سرية إلى مدينة مصرية للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي في مايو 2018، فلم يصدر أي تأكيد رسمي من القاهرة أو من تل آبيب بشأنها.
لكن الملاحظ أن “أشباح” لقاء محتمل بين النتنياهو بالسيسي هامت فجأة في أجواء الإعلام الإسرائيلي -ومانشيتات صحفه- خلال الأيام القليلة الماضية.
إذ نقلت صحيفة ‘تايمز أوف إسرائيل’ عن “مصدر دبلوماسي أميركي رفيع ومطّلع”، أن النتانياهو أعرب عن رغبته في “زيارة تاريخية” إلى القاهرة للاحتفال مع الرئيس المصري بتوقيع اتفاقية الغاز الطبيعي (المتعثّرة) التي تبلغ قيمتها 35 مليار دولار. وأضافت أن مسؤولين إسرائيليين “كبار” كانوا ينسقون للزيارة مع دبلوماسيين أمريكيين، خلال الأيام الماضية. وذهبت ‘تايمز أوف إسرائيل’ إلى ادعاء أن السفير الإسرائيلي في واشنطن ‘يحيئيل ليتر’ هو الذي يقود بنفسه جهود تنظيم قمة القاهرة “المأمولة”. *مع ملاحظة أن ‘ليتر’ أصبح رسميا المكلّف من النتنياهو بتنسيق العلاقات مع واشنطن وعواصم الجوار العربية، بعد استقالة مستشاره المقرّب ‘رون ديرمر’، وزير الشؤون الاستراتيجية السابق، من منصبه الشهر الماضي.
إلا أن الصحيفة ذاتها اعترفت في تقريرها بأن تعليق مكتب رئيس الوزراء على الخبر برمّته، كان: “ليس لدينا علم بهذا الأمر”.
وكانت مصادر أمريكية، على رأسها موقع ‘أكسيوس’ الاستخباراتي، نشرت تقارير مؤخرا تفيد بأن الرئيس السيسي “كان رد فعله باهتًا” حينما تحدث معه مسؤولون أميركيون عن إمكانية عقد قمة مصرية إسرائيلية، قبل نهاية العام. وهو ما تزامن مع تقارير متواترة عن سعي الولايات المتحدة لعقد قمة ثلاثية بين الرئيس ترمب والسيسي والنتانياهو، خلال زيارة الأخير المجدولة إلى فلوريدا يوم 28 ديسمبر.
وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة عربية عن مصادر دبلوماسية مقترحا أمريكيا بديلا “في حال تعذّر عقد قمة القاهرة أو القمة الثلاثية في فلوريدا”، يتمثل في دعوة من البيت الأبيض لعقد قمة “أميركية-عربية-إسلامية” في واشنطن، يلتَقى على هامشها السيسي والنتنياهو، بحضور الرئيس التركي أردوغان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
بينما تداولت الصحف الأمريكية والعبرية ما وصفته بـ”الشروط” التي وضعتها القاهرة قبل الموافقة على عقد أي قمة بين السيسي والنتنياهو، وأبرزها:
إسقاط أي طرح يتعلق بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أو الضفة الغربية.
الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، خصوصًا من محور فيلادلفيا.
إعادة تفعيل المسار السياسي القائم على حل الدولتين.
تقديم ضمانات أمنية واقتصادية -بكفالة أمريكية- مرتبطة بصفقة الغاز الإسرائيلي لمصر.
وفيما يتصل بالشرط الأخير، نقلت صحيفة ‘جيروزاليم بوست’ عن مسؤول حكومي إسرائيلي، أن إتمام الصفقة “بات وشيكا جدًا .. ربما خلال أيام”، موضحًا أنها ستمتد حتى عام 2040، وستسمح بتصدير كميات أكبر من غاز حقل ليفاثان إلى مصر، واصفًا إياها بأنها: “ستكون من أكثر الصفقات ربحية لإسرائيل”.
وهو ما يتناقض مع الموقف “المعلن” حين أرجأ وزير الطاقة الإسرائيلي ‘إيلي كوهين’ الموافقة النهائية “لأسباب اقتصادية وأمنية”، برغم الضغوط الأمريكية “الصريحة” على تل آبيب لتوقيعها، والتي كان أبرزها إلغاء وزير الطاقة الأمريكي ‘دان برويليت’ -قبل أسبوعين- زيارته المقررة لإسرائيل “احتجاجا على التلكؤ في إبرام اتفاق الغاز الذي تعتبره واشنطن هدفا استراتيجيا”.
في المقابل ذكرت ‘تايمز أوف إسرائيل’ أن المطالب (الشروط) الإسرائيلية من القاهرة تتمحور حول تقديم إيضاحات بشأن ما وصفته بـ”نشاط عسكري مصري في سيناء لا يتوافق مع بنود اتفاقية السلام”، والتعامل مع أطراف مسؤولة عن “انتهاكات لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة”.
ومن بين عديد التحليلات التي تناولت الموضوع “الساخن”، أعجبني مقال رأي منشور فير مجلة ‘بوليتيكو’ الأمريكية يركّز -من بين نقاط جدلية عدة- على “المكاسب السياسية والشخصية التي يسعى النتنياهو لتحقيقها من زوبعة الحديث عن قمة مع الرئيس المصري”. فيرى الكاتب أن ‘بيبي’ يراهن -من جهة- على “إنجاز دبلوماسي يعزز فرصه في الانتخابات المقبلة، ويصرف الأنظار عن أزماته الداخلية”. ومن جهة أخرى، يعتقد النتنياهو أن اتفاقية الغاز مع مصر سيكون لها “مقابلها السياسي الثمين”، وسيُعزز استراتيجيته في استغلال موارد الغاز الإسرائيلية لضمان إيرادات على المدى البعيد، ولتوسيع دائرة “التطبيع” مع دول الجوار (لبنان وسوريا) عبر ما يسمّيه “دبلوماسية الطاقة الإقليمية”.
وفي تقديري الشخصي، أن “رؤية” النتنياهو التي يتحدث عنها كاتب ‘بوليتيكو’ تتطابق إلى أبعد الحدود مع رؤية ترمب وأهدافه في المنطقة.. ويبقى الجدل “المتعمّد إعلاميًا” حول التفاصيل، كالتوابل التي تضفي المذاق على الطبخة.







