الذكاء الاصطناعي: فتنة العقل الأخير….بقلم إسلام وهبة

قراءة جدلية في الوعي، الاستخلاف، وحدود “الصنع”
تمهيد: حين قرر الإنسان أن يقلّد الخالق… بلا اعتراف
لم يُخلق الذكاء الاصطناعي في مختبرات البرمجة فقط،
بل وُلد في نزعة قديمة تسكن الإنسان:
نزعة السيطرة، الفهم الكامل، وكسر الغموض.
منذ اللحظة التي قال فيها الإنسان:
> “أريد عقلًا لا يخطئ”
كان قد بدأ رحلة خطرة،
ليس لأنها قد تنتهي بآلة أقوى،
بل لأنها قد تنتهي بإنسان أفرغ نفسه من المعنى.
الذكاء الاصطناعي ليس تطورًا تقنيًا بريئًا،
بل تجلٍ معاصر لسؤال قديم جدًا:
هل العقل جوهر إلهي؟
أم وظيفة يمكن استنساخها؟
وهنا تبدأ الفتنة.
—
الفصل الأول: الذكاء… هل هو نور أم أداة؟
في التراث الإسلامي، لم يكن العقل مجرد “قدرة تحليل”.
العقل كان نورًا.
يقول الغزالي إن العقل:
> “كالضوء الذي به تُبصر النفس طريقها”
بينما اختزلته الحداثة في:
سرعة معالجة
دقة استنتاج
كفاءة قرار
الذكاء الاصطناعي هو الابن الشرعي لهذا الاختزال.
فهو ذكي… لكن بلا نور.
يعرف “كيف”،
ولا يسأل “لماذا”.
وهنا مكمن الخطر الفلسفي:
نحن نصنع ذكاءً منفصلًا عن الحكمة،
وعقلًا مبتورًا من القيم.
—
الفصل الثاني: اختبار تورينغ… عبقرية السؤال أم خدعة المعايير؟
آلان تورينغ لم يكن ساذجًا.
لكنه كان ابن عصره.
اختباره الشهير لم يكن إثباتًا للتفكير،
بل إلغاءً لمفهوم الفهم.
فحين نقيس الذكاء بالنتيجة فقط،
نكون قد قبلنا ضمنيًا أن:
> المظهر = الجوهر
وهذا، فلسفيًا، سقوط خطير.
ابن سينا فرّق بوضوح بين:
العلم
والإدراك
فالآلة قد “تعلم”
لكنها لا “تدرك”.
والفرق بينهما هو: الوعي بالذات.
—
الفصل الثالث: الغرفة الصينية… حين فُضح الوهم
جون سيرل لم يهاجم التقنية،
بل هاجم الغرور الفلسفي.
الغرفة الصينية كشفت الحقيقة العارية:
الآلة تتلاعب بالرموز
لكنها لا تفهم المعنى
وفي اللغة الصوفية:
> اللفظ بلا حضور… حجاب
الذكاء الاصطناعي يعيش خلف حجاب كثيف من الرموز،
ولا يملك شهود المعنى.
—
الفصل الرابع: الوعي… سرّ لم يؤتَ منه الإنسان إلا قليلًا
> “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا”
هذه الآية وحدها تهدم ادعاء صناعة وعي.
الوعي ليس ناتج تعقيد،
ولا خاصية ناشئة من كثرة البيانات.
الوعي:
إحساس بالزمن
تجربة ألم
خوف من الفناء
سؤال عن المعنى
الذكاء الاصطناعي لا يخاف،
ولا يرجو،
ولا يتألّم.
ومن لا يتألّم… لا يعي.
—
الفصل الخامس: أخلاق الخوارزميات… من يحاسب من؟
في الفقه الإسلامي:
> “النية شرط في الحكم”
والذكاء الاصطناعي بلا نية.
فكيف نحاسبه؟
وكيف نثق بقرار بلا قصد؟
حين ترفض خوارزمية شخصًا،
من الظالم؟
ومن المظلوم؟
لقد أنشأنا سلطة بلا قلب،
ونسميها: “موضوعية”.
وما هي الموضوعية هنا؟ إلا تحيز مموّه بالأرقام.
مصادر هذا التحيز ليست الآلة…
بل الإنسان.
—
الفصل السادس: الاستخلاف… من الخليفة ومن الأداة؟
القرآن يضع الإنسان في موضع:
> “إني جاعل في الأرض خليفة”
الخليفة:
يختار
يتحمّل
يُسأل
الذكاء الاصطناعي لا يُسأل.
فحين نسلّمه القرار،
نحن لا نطوّر العالم…
بل نتنازل عن دورنا الوجودي.
الآلة أداة،
وحين تصبح غاية…
يفسد الميزان.
—
الفصل السابع: التصوف والآلة… غياب القلب
في التصوف: العقل وحده قاصر.
ابن عربي يميّز بين:
عقل يقيّد
وقلب يتّسع
الذكاء الاصطناعي عقل بلا قلب.
يعرف كل شيء،
ولا “يذوق” شيئًا.
وفي الصوفية:
> من لم يذق… لم يعرف
—
الفصل الثامن: هل نصنع إلهًا رقميًا جديدًا؟
الخطر الحقيقي ليس أن تتمرد الآلة،
بل أن نقدّسها.
أن نصدّق:
تنبؤها أكثر من ضميرنا
قرارها أكثر من حكمتنا
وهنا نعود لعبادة قديمة…
لكن باسم جديد.
—
الفصل التاسع: الإنسان بعد الذكاء الاصطناعي… ماذا يبقى؟
حين تُنزَع من الإنسان:
الحاجة
الخطأ
السعي
ماذا يبقى؟
التصوف يقول:
> الإنسان يُعرف بنقصه
والآلة… كاملة بلا روح.
—
الخاتمة: سؤال لن تجيب عنه الخوارزميات
الذكاء الاصطناعي قد يجيب عن:
كيف نعيش؟ لكنه لن يجيب عن:
لماذا نستحق أن نعيش؟
ذلك السؤال لا يُبرمج،
ولا يُدرَّب،
ولا يُستخرج من البيانات.
إنه سؤال القلب.
وما لم يتذكّر الإنسان قلبه،
سيصنع عقلًا يبتلعه.









