منوعات و مجتمع

اكتشاف جديد حول باطن “تيتان” ينفي الاعتقادات السابقة ويثير جدلا علميا

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

لطالما كان قمر “تيتان” التابع لكوكب زحل لغزا مثيرا لعلماء الفلك، خاصة مع الاعتقاد السائد منذ عقد بأنه يخفي محيطا شاسعا من المياه المالحة تحت قشرته الجليدية.
لكن دراسة حديثة، قادها باحثون في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا، قلبت هذا الافتراض رأسا على عقب، لتكشف عن صورة أكثر تعقيدا وربما أكثر إثارة لأكبر أقمار النظام الشمسي.
فبعد إعادة تحليل البيانات التي جمعتها المركبة الفضائية “كاسيني” خلال رحلتها التاريخية حول زحل، توصل الفريق إلى أن باطن “تيتان” قد لا يكون سائلا بالكامل. وبدلا من ذلك، ربما يتكون من طبقات عميقة من الجليد الطري وشبه الذائب، أشبه ما يكون بالمناطق القطبية على الأرض، مع وجود جيوب متفرقة من المياه السائلة. وهذا الاكتشاف قد يغير من نظرتنا لإمكانية وجود حياة على هذا العالم البعيد.
ويعد “تيتان” عالما فريدا، فهو القمر الوحيد في نظامنا الشمسي الذي يمتلك غلافا جويا سميكا، وتتكون على سطحه بحيرات وأنهار من الميثان والإيثان السائلين في درجات حرارة تقارب 180 درجة مئوية تحت الصفر. ولكن تحت هذا السطح المتجمد، كان العلماء يعتقدون بوجود محيط عالمي.

والآن، يقول فريق الدراسة إن هذا المحيط قد يكون متجمدا في الأصل وهو في طور الذوبان، أو أن نظامه المائي بأكمله يسير ببطء نحو التجمد الكامل. وللتحقق من فرضيتهم، ركز الباحثون على دراسة تأثير قوة جاذبية زحل الهائلة على شكل “تيتان”.

ونظرا لأن القمر مقيد مديا (tidally locked) بكوكبه (أي يظهر له نفس الوجه دائما، كما يفعل قمرنا مع الأرض)، فإن جاذبية زحل تشد سطحه وتشوهه، مسببة ما يشبه “مدا وجزرا صلبا” يظهر على هيئة انتفاخات بارتفاع قد يصل إلى 10 أمتار.

والمفارقة هنا تكمن في توقيت هذه الاستجابة. فلو كان باطن “تيتان” سائلا تماما، لكانت استجابة سطحه للجاذبية فورية. لكن البيانات المحسنة أظهرت تأخيرا لمدة 15 ساعة بين ذروة قوة الجذب وارتفاع سطح القمر. وهذا التأخير يشير بقوة إلى أن الجزء الداخلي ليس سائلا حرا، بل هو عبارة عن كتلة طينية شبه صلبة من الجليد الممزوج بجيوب من الماء، تتطلب وقتا للاستجابة للضغط والتشوه.
وقد دعمت نماذج الكمبيوتر هذه النتيجة، مشيرة إلى أن قشرة “تيتان” الجليدية قد يصل سمكها إلى 170 كيلومترا، تليها طبقات من الجليد الطري والماء الذي قد يمتد لعمق إجمالي يصل إلى 550 كيلومترا، وقد تصل درجة حرارته في بعض الأجزاء إلى 20 درجة مئوية.

ويرى العلماء أن بيئة الجليد الطري شبه الذائب هذه، مع وجود مياه دافئة نسبيا في جيوب معزولة، قد تكون بيئة واعدة أكثر مما نعتقد لتطور ونشأة أشكال بدائية من الحياة.

ويقول الدكتور بابتيست جورنو من جامعة واشنطن والمشارك في الدراسة: “هناك مبرر قوي للاستمرار في التفاؤل بشأن إمكانية وجود حياة خارج الأرض”.
وتثير هذه الدراسة جدلا علميا، حيث يصر العالم لوتشيانو إيس، الذي كانت أبحاثه السابقة أساسية في فرضية المحيط المائي، على أن النتائج الجديدة غير مقنعة، معتبرا أنها “مثيرة للاهتمام وستثير النقاش”، لكن الأدلة الحالية لا تكفي، في رأيه، لاستبعاد “تيتان” من قائمة العوالم المحيطية في نظامنا الشمسي، والتي تضم أقمارا مثل “أوروبا” التابع للمشتري و”إنسيلادوس” التابع لزحل.

والآن، ينتظر المجتمع العلمي بفارغ الصبر مهمة “دراغون فلاي” التابعة لناسا، وهي مهمة طموحة ستطلق مروحية آلية إلى سطح “تيتان” في نهاية هذا العقد. وهذه البعثة ستكون قادرة على فحص سطح القمر وبيئته عن كثب، وقد تقدم لنا الإجابات الحاسمة عن التركيب الحقيقي لباطن هذا العالم الغامض، وتقرر ما إذا كان محيطه مجرد حلم جميل، أم حقيقة علمية مذهلة تختبئ تحت الجليد.

المصدر: إندبندنت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock