د. فيروز الولي تكتب :جنوب اليمن بين فندقين: هل يبقى مع اليمن… أم يقرر أن يبقى وحده؟

ليس في اليمن أزمة وحدة بقدر ما هي مهزلة دولة مكتملة الأركان.
دولة لا تُدار من عاصمة، بل من غرف فنادق.
ولا تُحكم بقرار سيادي، بل بـ مكالمة واتساب، وبيان دبلوماسي، وصورة تذكارية على هامش مؤتمر.
في هذا المشهد العبثي، يبرز السؤال الأخطر:
هل الجنوب ما زال جزءًا من اليمن؟ أم أن اليمن نفسه أصبح تفصيلاً مزعجًا في مشروع آخر؟
الجنوب: حنين الاستقلال أم تعب الوحدة؟
الجنوب، وخصوصًا حضرموت والمهرة، لا يعيش نشوة انفصال بقدر ما يعيش إرهاقًا تاريخيًا.
إرهاق من وحدة لم تُدار كدولة، بل كغنيمة.
إرهاق من مركز صادر الثروة وترك الأطراف تتدبّر الجوع.
منذ 1990، لم يشعر الجنوبيون أن الوحدة كانت شراكة، بل عملية ضم بلا عقد.
ومع حرب، ثم حرب، ثم حرب… صار الاستقلال لدى بعضهم ليس حلمًا سياسيًا، بل رد فعل نفسي على الخذلان.
المجلس الانتقالي: دولة أمر واقع أم مشروع مؤجَّل؟
المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة عيدروس الزبيدي، لم يعلن الاستقلال صراحة، لكنه يمارسه فعليًا.
سيطرة أمنية، إدارة موارد، قرارات محلية، وانتشار عسكري في أبين، عدن، حضرموت، المهرة.
الخطاب يقول: إدارة ذاتية لحماية الجنوب من فشل الدولة.
لكن الواقع يقول: نحن أمام كيان يتقدّم خطوة خطوة، بلا إعلان رسمي، كي لا يخسر الرعاة الخارجيين.
الزبيدي ليس ثائرًا رومانسيًا، ولا مجرد أداة.
هو لاعب يعرف حدوده، ويتحرك داخل هامش مرسوم له بدقة:
تقدّم… لكن لا تُعلن.
احكم… لكن لا تستقل.
اضغط… لكن لا تكسر الطاولة.
التحالف: وحدة في البيانات… صراع في الميدان
السعودية تقول: وحدة اليمن خط أحمر.
الإمارات تقول: الاستقرار أولًا — وتدعم كيانًا يُعيد رسم الجنوب.
وهكذا تحوّل اليمن إلى ساحة مبارزة ناعمة:
الرياض تمسك بالشرعية الورقية.
أبوظبي تمسك بالواقع على الأرض.
والنتيجة؟
سباق على النفوذ، واليمن هو الكرة، والجمهور هو الضحية، والحكم… مفقود!
الشرعية: كيان بلا أرض
رشاد العليمي رئيس معترف به دوليًا، لكنه بلا جغرافيا.
يقيم في الرياض، يترأس اجتماعات، يصدر بيانات، لكنه لا يفرض قرارًا في عدن، ولا في حضرموت، ولا حتى على وزرائه.
نحن لا نعيش حالة تمرد على الدولة،
بل غياب دولة يتم التمرد عليها.
لا أحد يحكم فعليًا،
ولا أحد يملك شجاعة الاعتراف بالحقيقة:
من يحكم؟ ومن يتمرد على من؟
بين فندقين… تسقط الدولة
العليمي في فندق،
والزبيدي في فندق،
واليمن معلّق بين المدينتين كـ ملف مؤجَّل.
السلطة حين تُمارَس من فندق تفقد معناها الأخلاقي.
تتحول من مسؤولية إلى إقامة طويلة مدفوعة التكاليف.
نفسيًا، نحن أمام نخبة منزوعـة الإحساس:
لا تسمع صراخ الشارع،
ولا تشم رائحة القهر،
ولا ترى الطوابير.
اجتماعيًا، المواطن لم يعد يسأل: أين الدولة؟
بل يسأل: أي حاجز سيمر منه بأقل خسائر؟
ثقافيًا، صارت السخرية وسيلة بقاء،
فالضحك هنا ليس ترفًا… بل علاجًا من الجنون.
اقتصاد الانتظار
اقتصاد اليمن اليوم قائم على سياسة واحدة:
انتظر.
انتظر الوديعة.
انتظر المبعوث.
انتظر البيان.
بينما القيادات تمارس اقتصادًا موازيًا عنوانه:
سفر، مؤتمرات، صور، وتصريحات بلا أثر.
إعلام يلمّع السقوط
إعلام يقدّم الفشل كـ “تحديات مرحلة”،
والانقسام كـ “تباين رؤى”،
والكارثة كـ “تطورات”.
وفي النهاية، الجمهور يستخدم الإيموجي أكثر من المنطق… لأنه تعب من الحقيقة.
الرؤية: قبل أن تتحول اليمن إلى نكتة جغرافية
لا حل دون:
1. تسمية الأشياء بأسمائها: هذا تمرد، وتلك شرعية فاشلة.
2. حوار وطني حقيقي لا يُدار من الخارج.
3. تنمية حقيقية لا تُختزل في وديعة.
4. تحجيم التدخل الإقليمي بإطار دولي واضح.
5. إعادة السلطة إلى الداخل أو الاعتراف بانتهائها.
الخاتمة: الحقيقة التي يخشونها
اليمن لا يسقط لأنه فقير،
ولا لأنه متنوع،
بل لأنه يُدار بلا شجاعة.
ما يحدث ليس صراع مشاريع،
بل هروب جماعي من المسؤولية.
وإن لم تعد السلطة إلى الداخل،
ولم تُستعاد الدولة كفعل لا كشعار،
فليُعلن للعالم بوضوح:
أن اليمن أصبح أول دولة في التاريخ تُحكم من الخارج،
ويُطلب من شعبها الصبر من الداخل.
لكنهم ينسون حقيقة واحدة:
الشعوب قد تصبر طويلًا…
لكنها حين تقرر الكلام،
لا تصدر بيانًا،
بل تكسر الطاولة بمن عليها









