نارُ بروميثيوس.. شعر: الحبيب المبروك الزيطاري

زَمَني المُخَضَّبُ بِالدِّماءِ كأنَّهُ
قَدَرٌ يُعيدُ كِتابةَ الأَزْمانِ
في ساحةِ الغوغاءِ تُصْلَبُ صُورَتي
ويُعَلَّقُ المَعنى على الجُدْرانِ
نورٌ تَسَرَّبَ مِن عيونِ قَريحَتي
مُتَبَرِّئا مِن مَعْبَدِ الكُهّانِ
بين الكهوف سَطَوْا على قِيثارَتي
كي لا تساند صَرْخةُ البُرْهانِ
مِن أينَ جاؤوا بالرِّياحِ عَقيمةً
تَحْثو تُرابَ الخُبْثِ والأَشْجانِ
والرَّبْعُ يَبكي، لا لِـ«داحِسَ» وحدَها
بل لانكِسارِ العَهْدِ والمِيزانِ
داستْ خُطاهم زَهْرَةَ المَعنى، ولم
تَأبه لدمعِ الورد و البستانِ
قاسُوا النُّبوءَةَ فاختَفَتْ أَوْزانُهم
خَلَطوا نَباتَ السِّدْرِ بالرَّيْحانِ
خَلَطوا النَّفيسَ مع الزَّهيدِ وقايَضوا
مُدُنًا مُشَيَّدَةً ببعضِ دُخانِ
مِن أينَ جاؤوا؟ والقصورُ مُضاءةٌ
أَسْوارُها بمَناهِلِ العِرْفانِ
هل أَنْشَبَتْ ريحُ العَمى أَنْيابَها
مَسْمومةً في غفلة الفُرْسانِ
أم أَيْقَظوا الغولَ الّذي جَلَبَ الرَّدى
في ليلِ عادٍ مِن رِياحِ ثَمانِ؟
مَن ذا الّذي قَتَلَ الرُّؤى مُتَخفّيا
مُتَحصّنا في معقل الغِرْبانِ؟
لَبِسوا ثِيابَ العابِدينَ ونافَقوا
سَقَوْا المَذابِحَ مِن دَمِ التِّبْيانِ
زَمَنٌ يُعيدُ لنا قَضِيَّةَ يُوسُفٍ
بِدِماءِ ذِئبٍ مِن زَمانٍ ثانِ
فَغَيابَةُ البِئْرِ العَميقِ ظَلامُها
يُخْفي وُجوهَ الهَدْمِ والإِذْعانِ
صارَ التَّساؤُلُ صَفْقةً مَعْقودَةً
تَهَبُ البَقاءَ لِطالِبِ النِّسْيانِ
مَرّوا علينا مِثْلَ بَرْقٍ كاذِبٍ
نَثَروا على المَعنى رَمادَ دُخانِ
لَبِسوا الضَّبابَ وأَحْرَقوا أَثْوابَهم
في باحة التَّضْليلِ والبُهْتانِ
أَضْحى بَروميثيوسُ يُطْفِئُ نارَهُ
خَوْفَ انكِشافِ السِّرِّ لِلسُّلْطانِ
أَخْفى عن الدُّنيا الحَقيقةَ وانْتَهَتْ
مُنْذُ البِدايَةِ حِكْمَةُ الإِنْسانِ
لكنْ مِنَ الأَمَلِ المُضِيءِ سَيَنْجَلي
فَجْرُ الحَقيقةِ واضِحُ البُرْهانِ
تَمْتَدُّ في العُمْقِ الدّفينِ جُذورُهُ
وهي الأَساسُ لِقُوَّةِ الأَرْكانِ
سَنَظَلُّ نَرْسُمُ بالحُروفِ زخارِفًا
ونُجَمِّلُ الأَلْفاظَ بالأَوْزانِ
فَإِذا تَساقَطَ كُلُّ زَيْفٍ حَوْلَنا
عُرفتْ مَكانَةُ صَخْرَةِ الصَّوّانِ
الحبيب المبروك الزيطاري – تونس
18.12 .2025









