لماذا نقرأ…. الجزء الثاني… بقلم يونس ناصف

في عصر السرعة و تدفق المعلومات و”التمرير السريع” (Scrolling) والمحتوى الذي يفرز الدوبامين اللحظي، يبرز دور القراءة ليس فقط كأداة للمعرفة، بل كعملية بيولوجية معقدة تعيد تشكيل الدماغ.
الإنسان لا يولد قادر على القراءة كما هو الحال مع الحواس، بل هي مهارة مكتسبة تُنشط مراكز عصبية متعددة في آن واحد؛ من معالجة الرموز البصرية، إلى استدعاء الذاكرة، وصولاً إلى فهم المنطق السياق العام .
تخلق القراءة أنفاقاً ووصلات بين فصوص المخ المختلفة، مما يعزز ما يُعرف بـ “التعزيز طويل الأمد” (Long-term Potentiation)، وهو ما يزيد من سرعة وكفاءة الإشارات العصبية. على عكس الفيديوهات السريعة التي تشتت الانتباه، توفر القراءة حالة من “البطء الواعي” تمنح الدماغ فرصة للمراجعة والتدقيق المقارن بين المعلومات الجديدة وتلك المخزنة في الذاكرة.
تشير بعض الأبحاث إلى أن القراءة الهادئة لمدة دقائق يمكنها خفض هرمون الكورتيزول (المسؤول عن التوتر) بنسبة تصل إلى 68%. فهي تمنح الدماغ “دوبامين صحي” مستداماً، بعيداً عن صدمات الدوبامين العشوائية التي تسببها منصات التواصل الاجتماعي.
رغم الصورة السلبية الرائجة عن جيل “التيك توك”، فهناك أرقاماً و مؤشرات مبشرة تسجل أعلى معدلات زيارة (في معرض القاهرة الدولي للكتاب ) ، مما يؤكد أن الرغبة في القراءة والمعرفة العميقة لا تزال موجودة .
الخلاصة:
القراءة هي “تدريب على الصبر”. في عالم يبحث عن الملخصات السريعة، تظل القراءة هي النشاط الذي يحمي المخ والدماغ من الانكماش والتدهور. إن اختيار القراءة هو قرار بالانتقال من المكافآت الصغيرة قصيرة المدى إلى حياة أكثر جودة وعمقاً، وهي الملاذ لاستعادة الوعي وحماية العقل من الزحف الرقمي .









