كتاب وشعراء

“رقصة الأناكوندا” للروائية المغربية سعدية بلكارح، فريدة من نوعها،..بقلم لأستاذ الناقد.بوسهام عميمر

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

رواية “رقصة الأناكوندا” للروائية المغربية سعدية بلكارح، فريدة من نوعها،

أعتقد أنها من القلائل من النساء إن لم تكن الأولى في العالم العربي تقتحم باقتدار الكبار أدب الجريمة بما يرتبط به من عمل المافيات والجنس والمخدرات وغسيل الأموال والتصفيات الجسدية والتحقيقات الدولية بما أن أفضية الرواية تتوزع بين المغرب وفنلندا وكندا. رواية أبدعت الكاتبة في تتبع خيوط الجرائم على امتداد صفحات الرواية الخمسة والأربعين بعد المائتين، صفحات كلها إثارة وتشويق وإدهاش، زاوجت فيها الكاتبة بين قمة الرومانسية في بداية علاقة بطلها عبد الله الدادسي/ أحمد كوفين بجانيت الفنلندية، وبين الدرامية في أقسى تجلياتها من جاسوسية ومتابعات ومتابعات واتجار في البشر وقتل و غيرها من أسس الرواية البوليسية. كل ذلك في قالب سردي روائي مدهش، بلغة شاعرية انسيابية. الرواية حافلة بالتشبيهات الدقيقة و الصور البلاغية البديعة، فضلا عما تضمنته من تناصات وما تضمنته من رسائل قوية لمن يهمه الأمر، كإشارتها إلى الهجرة بأن دجاجتها لا تبيض الذهب دائما، وموقفها الصارم من حرمان الفتيات من متابعة دراستهن بسبب انعدام المؤسسات التعليمية أو بعدها، كما لم يفتها أن تعرج بسلاسة على لسان شخوصها على مجموعة من الحقول المعرفية علمية واجتماعية وجغرافية وتحقيقات دولية واقتصادية يهم بالخصوص الشركات الوهمية و القوانين المؤطرة لها.
نظرة من الداخل:
هجرة وأحلام وردية، مافيات، مخدرات، جنس، أسلحة، تصفيات وتحقيقات بمهارة المتمكن من صنعته، استطاعت الروائية والشاعرة سعدية بلكارح في روايتها هاته “رقصة الأناكوندا”، أن تبحر بنا في عوالم قل من يطرق أبوابها في عالمنا العربي؛ الرواية البوليسية، إذا استثنينا بعض الأسماء من داخل الجسم الأمني من أمثال الراحل ميلودي حمدوشي من المغرب، مارس الشرطة و درس علم الإجرام ليتولى تدريسه بالتعليم العالي. فالكتابة عن المافيات وما يرتبط بها من جرائم غاية في التعقيد، والتحقيقات البوليسية و تتبع خيوطها المتشابكة “كانت الأحداث ككبة صوف تلعب بها قطة يتشابك أول الخيط بآخره” ص165 ليست بالأمر الهين، يسهل على أي كان اقتحام مجاهلها، والخوض في مضاربها، خاصة وإنها ليست كأية مافيات “إنها عصابات المافيا التي كنت تتعامل معها بعلمك أو بدون بعلمك. وصهرك من قبل كان عضوا بارزا فيها. أنهم تجار السلاح والمخدرات والنساء مع تبييض الأموال” ص244، كما ورد على لسان العميل الدولي المعروف بالشمالي إلى بطل الرواية أحمد كوفين لقبه اللاحق، بعدما تخلى عن اسمه الحقيقي عبد الله الدادسي المنحدر من مدينة تنغير، على إثر زواج على عجل من جانيت إحدى السائحات الفنلنديات الثريات. ليتولى في ظرف قياسي شؤون المشاريع الضخمة لأبيها الذي توفي في ظروف غامضة. فيندم بعد أكثر من عشر سنوات قائلا لما توالت الأهوال على رأسه وجثمت على صدره “هذا المال نقمة علي وأنا نقمة على من أحبهم. هناك لعنة تتبعني أينما حللت. إنها لعنة اسمي الذي تخليت عنه، لما كنت عبد الله الفقير المحب الطيب كانت سعادتي حولي: هي أمي، إخوتي، وهواء تنغير. وحينما اكتسبت حقيبة سوداء لا تبرحني، تبعتني لعنة بلون حقيبتي” ص213 الرواية من عنوانها “رقصة الأناكوندا” عتبتها الرئيسية الموحية، و الأناكوندا على صورة غلافها، أخطر أنواع الأفاعي وأكبرها، تلتف حول ضحاياها وتعصرهم إلى أن يلفظوا أنفاسهم قبل افتراسهم. فهل لها علاقة بطبيعة عمل المافيات و خططهم الرهيبة للإيقاع بضحاياها “المنتمي إليها مفقود، ومغادرها مولود”، وإن كان ناذرا ما يفلت أحد من بين مخالبها سالما. هي اليوم إحدى الاستراتيجيات الحربية تعرف ب”أنشوطة الأناكوندا” فعلى امتداد صفحات روايتها الخمسة والأربعين بعد المائتين، و باقتدار كبار كتاب الرواية البوليسية، تحبس أنفاس القارئ وتأخذ بتلابيبه من بدايتها إلى نهايتها، تشويقا وإثارة.
زاوجت فيها عبر أبوابها الواحد والثلاثين بين قمة الرومانسية وشاعريتها في بداية علاقة عبد الله/ أحمد بجانيت انتهت على عجل بالزواج، يقول في ص 72 “ربما أنا رأيت فيها حلم شاب منبهر بالغرب”، علما فقد توافق رأيه مع رأي صديقتها الفرنسية كارولين بقولها أنها ستفقد بزواجها هذا الكثير من حريتها يقول “وأنا شاطرتها التخوف الذي لم أجرؤ على إظهاره. مجتمعي يؤمن بالعادات و يتشربها كالهواء” ص73 فيتساءل قائلا “فهل ستنجح جانيت في التكيف مع أجوائنا وتقاليدنا؟”، وإن كان ساورته فيما بعد بعض الشكوك حول سفره يقول في ص 187 “شبكت يدي تحت رأسي، وأخذت أحملق في السقف. سرحت بعيدا. امتزجت الرغبة بالرهبة. لم أعد أميز هل أفرح وأطيع عقلي أم أجزع وأوافق قلبي؟” لكن سرعان ما ترجح لديه كفة الهجرة، بعدما استرجع ذكريات أبيه الذي قضى في الخدمة المخزنية ردحا من الزمن دون أن يحقق شيئا يذكر، بسبب وفائه وإخلاصه والتزامه، إذ ظل مرؤوسا إلى أن قضى نحبه ف “بيعت سيارته المهترئة في سوق الخردة بأبخس الأثمُن” ص188، فيما زملاؤه من الانتهازيين ترقوا مرات متتاليات، وبين قمة الدرامية والمأساوية، يبلغ الضجر والقنوط بأحمد ليتوجه إلى صديقه د.رامي قائلا ص 221، “تتعاقب علينا المشاكل. فلا نكاد نرتاح حتى تنبري أمامنا عقبة أخرى. ما هذا يا إلهي؟” فكانت نهايته المأساوية بمراكش، بعدما حاصره المحقق الدولي الشمالي بمجموعة من المعطيات تدينه. يقول له في ص233، “كانت مهمتنا متابعة خيوط عملية مشبوهة، بدأ حوكها خارج الوطن” ففكت لأحمد بعض أزرار لغز ظل يؤرقه ردحا من الزمن، إذ ظل يتساءل مع نفسه “من أطلق النار علينا تلك الليلة؟ ..السجن يطاردني في الحلم وفي اليقظة. تبا لحظي العاثر” ص9.

رواية تستحق القراءة وإعادة القراءة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock