كتاب وشعراء

حينَ مرَّ الصوتُ ولم يُرَ …في حبّ الشيخ المنشاوي…بقلم سعيد زعلوك

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

لم يدخل من بابٍ،
كان يتسلّل
كضوءٍ نسيَ اسمه،
ويجلس في الفراغ
بين نبضتين،
بين كل كلمةٍ من نورٍ
لا تعرف طريقها إلا إلى القلب.

الصوتُ لم يكن صوتًا،
كان ظلّ دعاءٍ يمشي على الماء،
يمرّ خفيفًا دون أن يُرى،
يملأ الفراغ بالرحمة،
ويترك في الداخل نورًا صامتًا،
في عمق الروح حيث الخشوع يولد.
كلُّ ما حوله يهدأ،
كأن الزمن يضع إصبعه على فمه،
فنخفض العالم كي يسمعنا الله،
وتنزِل الآيات
لا تُتلى…
بل تُحسّ،
على مهلٍ،
كي لا تنكسر القلوب.

لم يكن يرفع النغمة،
ولا يستعرض الحرف،
كان يعلّمنا أن الدعاء
لا يحتاج علوًّا،
بل يحتاج صدقًا،
يمشي مع القلب كما تمشي الآيات.

في صوته ممرّ خفيّ إلى الخشية،
وفي سكوته ضجيج حسابٍ مؤجّل،
إذا مرّت آية نور ارتجفت العتمة،
وإذا مرّت آية نار بردت…
خجلًا.
كان يقرأ وكأن الحروف تعرف طريقها إلى الله،
لا تستأذنه، ولا تستعيره،
تخرج من فمه كما تخرج الروح
حين تكون صادقة.

وتحت آخر نغمةٍ
لا تُسمع… بل تُحسّ،
نطفئ أسماءنا،
ونترك فراغًا نقيًّا
يدخل منه النور دون استئذان.
الصوتُ يبتعد،
لكن الأثر يجلس في الصدر
كآيةٍ لم تُغلَق،
وإذا ضاعت الأصوات دلّنا الصمت،
وإذا ثقلت المعاني خفّفناها بالسكينة.

نغلق المصحف،
ولا نغلق الطريق،
نمشي إلى الله كما تمشي الآيات:
هادئة،
عميقة،
ولا تترك أثرًا إلا في القلب.

يا الله…
اجعلْ لنا صوتًا كما كان له،
يمسّ القلوب دون أن يُرى،
دعاءً يمشي على الماء،
يخفّف ثقل الأيام،
ويعلّمنا أن بعض القراءات
لا تُختَم…
بل تُقام.

دعنا نحبّ كما أحبَّ الصوت،
نحيا كما عاش،
ونظلّ صامتين،
ونتعلّم أن الخشوع لا يحتاج شهرة،
وأن بعض الوداع
يبقى حيًّا في القلوب
أكثر من كل حضور.

إذا صمت الصوت،
فليكن صمتًا حيًّا،
يشير إلى وجوده فينا،
ويعلّمنا أن الحب الحقيقي
ليس في المشاهدة،
ولا في كلمات الثناء،
بل في أن يعيش الصدى،
في الداخل،
في القلب،
في الدعاء الصامت الذي لا يُرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock