كتاب وشعراء

لا أشبهني…..بقلم نعمان رزوق

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

لا أقفُ على شاطئٍ واحد ..
أميلُ إلى الشرقِ إذا نظرتُ غرباً
و أتبعُ نسختي القديمة كلّما ظننتُ أنني نجوتُ منها ،
يداي تمتدان إلى الحنينِ كأنني أحاول الإمساك بي ،
كلُّ شيءٍ فيَّ مقسوم
نصفُ حبٍّ بقي في صدرِ امرأةٍ نسيتْ اسمي ..
و نصفُ كذبةٍ تربّيتُ عليها حتى صدّقتُها ،
نصفُ مدينةٍ تناديني ..
و نصف مدينة تغوص في لامبالاتها بي ،
نصفُ بيتٍ غادرتُه ..
و نصف بيتٍ ما زال غياب أمّي على حيطانه يدقّني كمسمار .
أضحكُ ..
لكن النصفَ الآخر من وجهي لا يفهمُ النكتة ،
أكتب ..
لكن نصفَ اللغةِ يرتجفُ من بردٍ قديمٍ يسكنُ الكلمات ،
أنامُ على قمةِ النسيان
و أستيقظُ في قاع التذكّر
متأخراً عن لحظةٍ واحدة فقط
كانت كفيلةً بإنقاذي من نفسي .
ثمّ أجدني أمام حدٍّ لا يُرى ..
فاصلٍ رهيفٍ بين صراخين ،
بين من يريدُ النجاةَ
و بين من يصرّ على البقاءِ في الاحتراق ،
لكن
في المنتصف تماماً
ثمة شيء لا أعرف كيف أسمّيه
شيءٌ لا يُلمس ..
و لا يُرى ،
لكنّه يفصلني عني
كبرزخ من الشوق .
ما بعده ليس وصولاً
وما قبله ليس انطلاقاً
بل تكرارٌ أنيقٌ لخطأٍ لم أرتكبه ..
لكنّني أُتهم به .
أنا
لستُ واحداً
بل اثنان يعيشان في ضيقِ جسدٍ واحد ،
واحدٌ يؤمن أنّ الله ضوءٌ لا يُطفأ
و آخرُ يفتّش عن وجع يتدلى من صمت غليظ ،
أختلفُ حتى في رغبتي ..
و لا أتفقُ مع نفسي إلا حين يُسكتني الشعر .
في حياتي القادمة
لا أريد أن أتطور ..
فالتطوّر خيانة عظمى لطفولتي القديمة البرية ،
و لظلي المرشوق بالوحلِ
و التفاح ..
و الانتظار لأمي عند باب الروضة ،
لبكائي من أيّة نظرة ..
لارتباكي من أيّة كلمة
و لظنّيَ البدائي ..
بأنّ الموت يحدثُ حين لا نُفهم .
لا أريد
أن أصبح نسخةً مفلترة منّي
أقلّ خجلاً
و طيبة ،
و أقلّ خوفاً من الحب ،
أريدني كما كنتُ ..
بذلك الصدع في صوتي حين أقرأ الشعر للجدران ،
بتلك الحاجة القديمة للحنان ..
بتلك الرغبة في أن تمسح أمّي على رأسي
و تهمهم .. بأن العالم كذبة .
كلّ البشر يريدون أن يتغيّروا في الحيوات القادمة ،
أنْ يُبعثوا ..
بعظام أقلّ وجعاً ،
بذاكرة أنظف ،
بلغة جديدةٍ لا تخذلهم عند الحاجة ،
أما أنا ..
فأحبّ أن أعود كما أنا
بقلبي القديم ،
بأسئلتي الطريّة التي لم يُجب عنها أحد ،
بأمي ..هيَ هيَ .. كما كانت
تخيط لي الليل كنزةً إذا بردتُ ،
و تسكب الحليب في فمي ..
كي لا أقول شيئا عن الوجع .
أريد أن أُبعث من عينيها ..
من صوتها و هي تلعن الحربَ بصوت خافت
كي لا يسمع الله ،
من يدها و هي تحشو حقيبتي المدرسية بلفافات الزعتر و المكدوس ..
و الموز
و نصف طنّ من الكتب ،
فأنا لا أحب الامتحانات .. على أنواعها
و لا أن تُقاس نجاتي بمدى سكوتي
أو
بسُمك جلدي
أو
بعدد المرّات التي لم أبكِ فيها على الموتى .
أنا فقط أريد أن تكون العلامة الكاملة .. في جيبي ،
جوار قطعة السكّر التي خبّأتها أمي في معطفي المدرسي ،
لأعرف أني كنتُ على حق .. حين لم أظهر دمعي لأحد ،
و حين صدّقتُ أن الشعرَ صلاة
و أن الخوف لا يعيب الرجولة .
لكن
بعد القيامة
حين نقف في التجربة الجديدة بلا أفواه ،
بلا عذر ،
بلا فرصة لتعديل الإجابة ،
سأنمو من أصابعي ..
سأكتبني كما كنتُ ،
وسأترك أثراً على جدار التحولات يقول ..
هنا لم يُطلب إصلاح ،
هنا لم يُطلب مجد ،
هنا مرّ كائنٌ صغير
أحَبّ كثيراً ..
و خاف كثيراً ..
و بكى دون دمع و دون صوت ،
و أراد ألا يتطور غداً ..
بل
أن لا يكون بالأصل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock