د.عاطف معتمد يكتب :”أرض الصومال”..مصر في القرن الإفريقي (عصر إسماعيل)!

في عام 1875، وبينما كان ضباط وجنود أركان حرب الجيش المصري فى غـــربى بلاد السودان يوسعون نطاق علم الجغرافية بأعمالهم المتنوعة واستكشافاتهم المفيدة فتحت الحكومة المصرية بلاد “هرر”.. فكان فى ذلك فتح أبواب القسم الشرقي من قارة أفريقيا للحضارة الحديثة والتمدن العصري.
وكانت الدولة العثمانية قد تنازلت لحكومة مصر فى شهر يوليو سنة 1875 عن ميناء زيلع في الصومال شريطة أن تدفع مصر ضريبة سنوية مقدارها 13365 جنيهاً مصرياً.
وبناء على هذا الاتفاق بين مصر في عهد الخديو إسماعيل والباب العالي انطلقت في شهر سبتمبر من تلك الســنة حملة مصرية قامت من ميناء زيلع متوجهة داخل بلاد الصومال تحت قيادة رؤف باشا.
وكانت هذه التجريدة مؤلفة من 300 جمل وخمس أرط من المشاة المصريين و236 مقاتلاً من الباشيبوزق (عساكر غير نظامية) وفي حوزتهم مدفعين جبليين وصواريخ حربية ووصلت الحملة قبالة “هرر” فى زمان وجيز ولم يأت اليوم الحادي عشر من أكتوبر حتى خفق العـــلم المصري فوق قصر الأمير ومازالت مصر قابضة على زمام الأحكام فى هذه الأقطار وعساكرها محتلة لها حتى كان شهر مارس سنة 1884فتركتها وشأنها وأجلت جنودها عنها.
وقد حققت سيادة مصر على هذه الأرض الصومالية هدما لأسوار التعصب التى كانت مشيدة حولها فانبعث فيها أنواع الحضارة وتسهلت سبل التجارة وتيسرت أســباب الأخذ والعطاء فنالت بذلك فوائد جمة ومنافع كثيرة.
وقد نشرت الجمعية الجغرافية الخديوية تقريرا وافيا عن ذلك، ومن ثم فلا حاجة بنا للخوض فى هذا المجال وإنما نقتصر على القول بأن إحتلال الجنود المصرية لبـــلاد “هرر” ترتب عليـــه حصول السهولة فى وصف ودرس قطر من الأقطار كان مجهولاً بالكلية لدى علمــاء الجغرافية.
وقد قام البكباشي محمد مختار أفندي – وهو من أحذق وأمهر ضباط أركان الحرب – بمباشرة الأعمـــال الجغرافية فأتم أبحاثاً كثيرة لها وقع خطير فمنها تعيين جملة مواقع تعييناً فلكياً ووصف المسالك التي اخترقتها التجريدة.
رسم مختار أفندي مدينة زيلع وضواحيها. ورسم مدينة هرر. ووصف هذه البلاد وقبائل الصومال، وكتب تاريخ أمراء مدينة هرر المقدسة عند أهلها.
كما جمـــع البكباشي محمد مختار أفندي جملة مجموعات تتعلق بأحوال أولئك الأمم والقبائل، ولهذه المجموعات شأن عظيم عند جمهور العلمـــاء، وقد نشرتها أيضا الجمعية الجغرافية الخديوية.
وفى أثناء احتلال هرر قتل العلامة منزنجر Münzinger أشنع قتلة وهو على شواطئ بحيرة آوســا Aoussa ولكن عزت أفندي الذى كان معه لم يبال بالخطر الذى أحدق به بسبب هذه الحادثة الفاجعة بل استمـــات فى إحياء العلم بشجاعة وإقدام لا نظير لهما حتى وفقه الله لرسم الطريق الذى تم قطعه وكانت مباشرته وإكماله للرسم فى حين وقوع تلك الواقعة التى أهرقت فيها الدماء.
وشهد هذا العصر أيضا إرسال التجريدة التى بعث بها الخديو إسماعيل ولكنها لم تكتمل وتوقفت في يناير سنة 1876بعد اعتراض بريطانيا.
وكانت التجريدة قد نزلت في بلاد الصومالي بالقرب من مصب جوبا وتألفت من بارجتين حربيين وهما وابور محمد علي ووابور لطيف ووابورين نقالين وهما وابور طنطا ووابور دسوق ومن ثمـــانية بلــكات من المشاة (الرجالة) ومن بلك واحد من الفرسان (الخيالة) و آخر من الطوبجية (المدفعجية).
وقد أقلعت من السويس فى يوم 17 فبراير سنة 1875 ولما وصلت إلى مصاب نهر جوبا كان فى العزم أن تتقدم فى مسيرها إلى هـــذا النهر حتى تتلاقى مع القوات المصرية بقيادة غوردون في السودان.
توغلت التجريدة على ضفتى نهر جوبا لمسافة 150 ميلاً وتمكن اليوزباشى حســن أفندي واصف من رسم خرائط تفصيلية لمجرى النهر.
ومن ذلك يتضح أن النتائج والفوائد الجغرافيـــة التى أتت بها هذه الحملة هى تصحيح خريطة سواحــل الصومالي واستكشاف البلدتين الرئيستين: كسمايو Kismayo ودنفورد Dunford الكائنتين على شط المحيط الهندى وسبر أعماقهما على يد الكولونل ورد يعــاونه فى ذلك اليوزباشى صـــديق أفندى وغيره من ضباط أركان الحرب.
وفى سنة 1878ورغبة من مصر في مساعدة بلاد الصومال تجاه ما يقع بها من حوادث ومصائب بحرية أرسل الخديو إسماعيل باشا تجريدة إلى سواحل رأس غاردفوى أسماها “تجــــريدة المروءة والإنسانية” و لعمـــر الحق أنه اسم طابق معناه مسماه وأصاب واضعوه كل الإصابة فقد كان رجال هذه التجريدة مكلفين بالبحث عن أوفق المواقع لإنشاء فنار في تلك الأصقاع وكان الكولونيل جراڤ Graves على رأس هذه الحملة ومعه البكباشي مختار أفندى مكلفاً بدرس ما يختص بالطبوغرافية وأحوال الأمم فنال علمـــاء الجغرافية من هذا الاستكشاف العلمي فوائد كثيرة عن أهالي الصومالى ورسموا خرائط متنوعة !









