:د. فيروز الولي تكتب:ماذا تعني الثقافة والوعي المجتمعي؟
حين يصبح الوعي خطرًا… والجهل سياسة عامة

الثقافة والوعي المجتمعي ليسا ترفًا فكريًا، ولا زينة لغوية تُعلَّق في الخطب والمناسبات، ولا مادة محفوظات للطلاب قبل الامتحان.
الثقافة هي طريقة تفكير، والوعي المجتمعي هو طريقة حياة.
هما الفرق بين شعبٍ يُقاد… وشعبٍ يعرف إلى أين يسير.
بين مجتمعٍ يصفّق لكل صراخ، وآخر يسأل: لماذا؟ ولصالح من؟ وبأي ثمن؟
الوعي المجتمعي هو أن يفهم المواطن موقعه من الدولة، وموقع الدولة من العالم، وحدود العاطفة، وخطورة الشعارات، وأن يدرك أن الوطنية ليست صراخًا، ولا التخوين سياسة، ولا السلاح بديلًا عن العقل.
الوعي كسلوك يومي
في المجتمع الواعي:
الخلاف لا يتحول إلى كراهية.
الاختلاف لا يصبح خيانة.
الفقر لا يُقدَّس، ولا يُستغل.
أما في المجتمع الغائب عنه الوعي:
تُدار الخلافات بالعصبية.
تُحسم القضايا بالقبيلة أو المنطقة.
يصبح الظلم “نصيبًا”، والفساد “شطارة”.
الوعي الاجتماعي يعني أن يفهم الفرد أن حقوقه لا تُمنح، بل تُنتزع بالقانون، وأن الدولة ليست شيخًا، ولا زعيمًا، ولا ميليشيا كريمة.
الثقافة ليست أناشيد وطنية
الثقافة ليست في كثرة الشعراء، بل في قلة المصفقين.
ليست في عدد القنوات، بل في جودة الأسئلة.
الثقافة الواعية:
تُنتج مواطنًا ناقدًا.
تُزعج السلطة.
تفضح التزييف.
أما الثقافة المُسيّسة:
تُنتج جمهورًا.
تُخدّر العقول.
تُجمّل القبح باسم الهوية.
حين تُختزل الثقافة في مهرجانات، وتُحاصر الكتب، ويُخوَّن السؤال، فاعلم أن هناك من يخاف الوعي… لأن الوعي لا يُشترى.
الوعي كخطر على الفاسدين
الوعي السياسي يعني أن يعرف المواطن:
من يحكمه.
كيف يحكمه.
ولماذا يفشل دائمًا.
السياسي الفاسد لا يخاف المعارضة المسلحة بقدر ما يخاف مواطنًا يفهم الدستور، ويقرأ الميزانية، ويسأل:
أين ذهبت الأموال؟ ولماذا ندفع الثمن؟
غياب الوعي السياسي يجعل الشعوب:
تنتخب جلادها.
تبرر فشل قادتها.
تتصارع دفاعًا عن أخطاء غيرها.
الجهل هو أغلى فاتورة
في المجتمع الواعي:
يُسأل عن الموارد.
تُحاسب الحكومات.
يُفهم أن الاقتصاد إنتاج لا شعارات.
وفي المجتمع الغارق في الجهل:
يُقدَّس الفقر.
تُبرَّر السرقة باسم الظروف.
يُستبدل التخطيط بالدعاء.
الوعي الاقتصادي يعني أن يفهم المواطن أن الجوع ليس قدرًا، وأن الفساد سياسة ممنهجة، وأن الدول لا تفلس… بل تُفلسها عقول حاكميها.
حين يتحول السلاح إلى ثقافة
المجتمع الواعي يعرف أن:
الجيش وظيفة وطنية لا أداة سياسية.
السلاح وسيلة أخيرة لا هوية.
الحرب فشل جماعي لا بطولة فردية.
أما المجتمع المضلَّل:
يصفق للموت.
يشيّع أبناءه بالأغاني.
ويحاسب الضحية بدل القاتل.
الوعي العسكري يعني أن نفهم أن أعظم انتصار هو منع الحرب، لا إدارتها.
السياسة الخارجية ليست شتائم
الدبلوماسية وعيٌ راقٍ بالمصالح لا بالعواطف. الدولة الواعية لا تصرخ في الخارج، بل تفاوض. لا تُهدد، بل تُقنع. ولا تعيش على العداء، بل على التوازن.
الشعوب غير الواعية تُصفّق لخطابات تضرها، وتفرح بخسائرها، وتكتشف متأخرة أنها كانت وقودًا لصراعات لا تخصها.
كيف نَنشر الوعي المجتمعي؟
إعلام مهني لا تعبوي.
تعليم نقدي لا تلقيني.
مساحة آمنة للسؤال دون تخوين.
قدوة سياسية نظيفة لا خطيب فصيح.
ثقافة المحاسبة بدل ثقافة التبرير.
الوعي لا يُفرض… بل يُبنى. ولا يُلقَّن… بل يُمارَس.
خاتمة
في المجتمعات غير الواعية:
الجاهل يُكرَّم.
العاقل يُتَّهم.
الفاشل يُعاد تدويره.
والناقد “عميل”.
في هذه المجتمعات، لا يُخاف من العدو…
بل من المواطن الذي بدأ يفهم.
لذلك، حين ترى سلطة تحارب الوعي،
اعلم أنها لا تخاف عليك…
بل تخاف منك.
فالوعي ليس رفاهية،
بل خطرٌ على كل فاسد،
والأمل الأخير لكل وطن لم يمت بعد.









