طقوس صغيرة لنهارٍ عادي……بقلم محب خيري الجمال

عزيزتي ضوء،
أكتب لكِ بينما يغلي الماء أكثر مما يجب،
وأنا أراقب الموقد بصبرٍ متدرّب
لأنني أحب صوت الفقاعات
حين تتظاهر بأنها تعرف إلى أين تمضي.
البيت مستيقظ قبلي،
الأرض باردة عند القدمين،
والنافذة نصف مفتوحة كأنها لم تحسم قرارها بعد.
أجمع الشعر المتساقط من الفرشاة،
أرتب الأحذية عند الباب دون أن أتذكر لمن هذا المقاس،
وأعدّ فناجين القهوة كما لو أن الضيوف سيصلون حالًا
مع أنهم لا يفعلون.
أتعلم يوميًا كيف أعيش دون استعجال،
كيف أترك الرسائل دون رد حتى تهدأ الفكرة،
وكيف أختار الملابس التي لا تطلب تفسيرًا.
عزيزتي ضوء، هأنذا وحدي ولا جديد تحت الشمس،
أغسل التفاحة جيدًا،
أمسح الطاولة للمرة الثانية،
وأتأكد أن المفاتيح في مكانها
كأن ضياعها سيغيّر مصير النهار.
في الطريق، أراقب وجوهًا لا أعرفها
لكنني أحفظ إيقاعها.
امرأة تعدّ الخطوات،
رجل يتفقد ساعته،
طفل يجرّ حقيبته بعناد.
كلنا نمارس الذهاب كأنه عادة لا سؤال فيها.
أعود محمّلًا بالأكياس،
أصفّ الأشياء في الثلاجة بعناية غير ضرورية،
أقرأ المكونات الصغيرة على العلب
وأبتسم من أسماء لم أعد أثق بها.
أعدّ الطعام بيدٍ تعرف المقادير
وأخرى شاردة
تفكر في شيء لا اسم له.
بعد الظهيرة،
تثقل الأصوات،
وأتعلم الصمت من جديد.
أطوي الغسيل،
أطابق الجوارب بلا حماس،
وأترك واحدة وحيدة
لأن العالم لا يحب الاكتمال.
مع المساء،
أخفض الإضاءة،
أمسح المرآة دون أن أنظر طويلًا،
وأختار موسيقى لا تطلب ذاكرة.
أجلس قليلًا،
لا لأستريح،
بل لأتأكد أنني ما زلت هنا
بكامل التفاصيل.
قبل النوم،
أغلق الأبواب بهدوء،
أعيد ترتيب الوسائد،
وأطفئ المصابيح واحدة واحدة
كما لو أنني أودّعها.
أفكر أن الغد سيشبه اليوم
مع اختلافات صغيرة
كافية لتبرير الاستيقاظ.
عزيزتي ضوء،
تصبحين على خير،
غدًا سأترك النافذة أوسع قليلًا،
وأمنح النهار فرصة
أن يدخل دون استئذان.








