وفرِحتُ……بقلم سليمان أحمد العوجي

لا حِرْفَةَ لي…
عاطلٌ عن الأُنسِ،
كفيفُ الفَرَحِ،
أُمّيٌّ لا أُجيدُ تَهْجِئَةَ الضوْءِ
ولا قراءةَ كَفِّ الحرائقِ.
نسيتُ كيفَ يَرْتُقونَ
قُمْصانَ التفاوُلِ،
أخجلُ مِن تَأتَأةِ غدي،
ولِساني يُعاني مِن قُلاعِ
الهُتافِ للنصرِ المأزومِ.
دهرُ أرقٍ أنا
في روزنامةِ الليل
أفتحُ بابَ الارتيابِ
وأمضي تحتَ مطرِ الخيبةِ
خِلسةً عن أعينِ البَلَلِ.
أخرجُ من اسمي
ولا أعرفُ العودةَ إليه،
فأبقى على قارعةِ الوحشةِ
غريبًا كَالطُّفْرةِ
بلا أقاربِ المألوفِ.
تتمطّى المعجزاتُ،
ويتثاءبُ الدربُ بي،
وتتبادَلُ الغِربانُ
أنخابَ الخرابِ
على ركامِ العُمْرِ.
كلّما تَنَهَّدَ الوقتُ
يَجفِلُ غزالُ دمي
ويعبرُ أسلاكَ الشريانِ.
تتبرَّمُ لُغتي مِن أفعالِها،
يوقظُني تأوّهُ
فعلٍ ماضٍ ناقصٍ
يُمسكُ بيدِ مُبتدأٍ هزيلٍ
يبحثُ في كَوْمةِ قَشٍّ
عن إبرةِ كمالِهِ وحقيبةِ خَبَرِهِ.
في قاعِ مدينةٍ
أنزلتْ عن ظهرِها
خرافةَ التاريخِ ثم جفَّتْ.
هنا، في عاصمةِ
الأفعالِ المضارعةِ:
سياجٌ بلا حُقولٍ،
مواسمُ مخصِيَّةُ الثمرِ،
فَزّاعاتٌ مُتآمِرةٌ،
وأمٌّ مُرهَقةُ الحنانِ
أخذَ الشتاتُ حليبَها
وتركَ لها ثَدْيَ الحقيقةِ الضامرَ.
جلستْ تُفَلّي رأسَ
ذاكرتِها المهجورةِ،
نسيتْ كَفَّ اللَّطمِ
على صدرِها ونامتْ.
لا حِرفةَ لي…
غيرَ الحُلْمِ:
أُعشِّبُ مَسَاكِبَ النومِ
من حَنظَلِ الكوابيسِ،
وأحلُمُ:
حَلِمتُ أنّي ذاك الغجريُّ
الذي لا يُعنى بذكرى المكانِ…
وفرِحتُ!!
وأنّ قومي عَناكِبُ بلا ألوانٍ
تنسُجُ في لحظاتٍ
كَثيرًا… كثيرًا من الأوطانِ… وفرِحتُ!!
وأني عصفورُ النارِ يَغزِلُ
في يومٍ وليلةٍ سَقْفًا
مَتينًا لكرامتِهِ… وفرِحتُ!!
حلمتُ أنّي لم أصحُ
من النومِ، وأنّي:
ما بقيتُ رُدحًا من هزائمَ
أُقارِعُ غولَ المصيرِ… وفرِحتُ!!
وما بقيتُ صحراءَ ضالّةً
لا يبلُّ ريقَها شتاءٌ
ولا يَتكفّلُ يُتمَها ربيعٌ،
تعمِّدُ كثبانَها على دينِ
ريحٍ كافرةٍ
تأخذُ الفراشةَ
بجريرةِ العَقرَب!!… وفرِحتُ!!
ولا بقيتُ رُدحًا من يباسٍ،
في جيبي تمائمُ الغيمِ،
وفي عنُقي خَرزةٌ زرقاءُ،
وما بقيتُ رُبّانَ المراكبِ
التي لم تُجادِلِ الموجَ
وتدّعي الحكمةَ… وفرِحتُ!!
ثم تعلو أهازيجُ المهرّجينَ
في الجنازاتِ المجانيةِ،
يَسقُطُ النومُ من يدي،
وعريضةُ الرصاصِ لم تَزَلْ
تُطالِبُ الموتَ ألا يَستريحَ.









