- من الذهب إلى العلاج: إبراهيم تراوري وقصة أول مستشفى بوركينا فاسو الجامعي بمواصفات عالمية

الأمس في بوركينا فاسو؛ تحوّل ما كان يُنظر إليه طويلًا بوصفه حلمًا إلى واقع ملموس في الفترة الأخيرة. فقد أشرف الكابتن إبراهيم تراوري على افتتاح المستشفى الجامعي الجديد، إلى جانب قسم العلاج الإشعاعي، كالأكبر من نوعه في كلّ غرب أفريقيا.
المشروع، الذي بلغت كلفته نحو سبعين مليار فرنك أفريقي، يضمّ خمسمئة سرير، ويأتي ضمن رؤية أوسع أُعلن فيها عن الشروع في إنشاء تسعة مستشفيات جامعية أخرى بمستوى عالٍ من التجهيز والخدمات، على نموذج الدول الصاعدة، بحيث يُدمج البحوث الطبية مع خدمات الرعاية الصحية. اللافت في هذا المسار أنّ المبادرة جاءت استجابة مباشرة لمطالب الكوادر الطبية نفسها يوم الافتتاح، وهو ما يكشف عن تحوّل في طريقة التفكير، حيث أضحت الدولة تُقدِّم الخدمات من موقع الشراكة مع أصحاب الاختصاص.
على المستوى لا أحبذّ كثيرًا، تناول خدماتٍ تُنظر كعادية، في أي دولة محترمة، لكن وإن تبدو مثل هذه المنشآت أمرًا اعتياديًا في دول أخرى، المفارقة أنّ بوركينا فاسو، رغم مرور 6 عقود طويلة من الحضور الفرنسي، لم تشهد مشروعًا صحيًا بهذه المواصفات. احتاج الأمر إلى سبعين عامًا تقريبًا قبل أن تتغيّر المعادلة، حين جرى إنهاء طرد فرنسا والتعاون مع الصين لبناء البنى التحتية الصحية لامتلاكها التكنولوجيا، وبدأ إبراهيم تراوري توجيه عائدات الذهب إلى مشاريع داخلية في مجالات التعليم والزراعة، وها هي اليوم تمتدّ إلى القطاع الصحي.
وإذا ما اكتملت المستشفيات التسعة المبرمجة على النمط نفسه، فإنّ بوركينا فاسو ستكون في موقع متقدّم على مستوى غرب أفريقيا، وتتجاوز أكبر دولة منها حجمًا وثروة، مثل نيجيريا، من حيث عدد ونوعية المستشفيات الجامعية المجهزة وفق معايير حديثة.
وهنا الأشكالية لديّ، ماذا كان يفعل هؤلاء السياسيون، ووزراء الصحة، والخبراء طيلة 60 عامًا في مناصبهم، منذ فترات ما سمّي بالاستقلال حتى تاريخ اليوم؟ هل كان يتطلب الأمر أن يأتي عسكري مثل إبراهيم ليقوم بمبادرةٍ كهذه، وهي بدهية، وهو بعد شاب أقلّ من أربعين عامًا؟
وعندما سُئل إبراهيم تراوري عن هذا المشروع الضخم، جاءت إجابته كاشفة عن منطق المرحلة السياديّة الجديدة في الساحل، . أن طلب الكوادر الطبية إنشاء مزيد من المستشفيات، في نظره، فهو دليل على توفّر الموارد البشرية والكفاءة القادرة على إدارتها وتشغيلها. ومن غير المقبول، وفق هذا التصور، أن تمتلك البلاد هذا الكم من الموارد من الذهب والمعادن النفيسة، ثم يضطر حتى أصغر موظف حكومي إلى السفر للعلاج في الدول الأوروبية.
سبعة عقودٍ ، وخلقت فرنسًا دولاً أفريقية، ونظامًا، لا يسمح أن يوضع الأفريقي وصحته في سلم الأولويات، ينهب موارده، ويأخذ اليورانيوم، وإذا مرض من الإشعاع النووي، يجب أن يسافر في سياحة علاجيّة إلى باريس أيضًا للتداوي، هذا الذي كسره إبراهيم تراوري بهذا الأنجاز، ولهذا أعتبر أن مثل هذه المبادرة تستحق الكتابة عنها، بوصفها واحدة من التحولات الرائعة في منطقة الساحل الأفريقي!









