رؤي ومقالات

إدريس آيات يكتب :- لماذا تُعدّ ضربة المكلا أول مواجهة سعودية مع الإمارات؟

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

فجر اليوم، وفي حدث لافتٍ يمثل تغيرًا جيوسياسيًا لا مثيل له؛ نفّذ الطيران الحربي التابع للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية؛ ضربة عاجلة ومحدودة استهدفت ميناء المكلا، عقب رصد دخول سفينتين قادمتين من ميناء الفجيرة في الإمارات من دون الحصول على تصاريح مسبقة من التحالف. ووفق ما أعلنه التحالف، فإنّ السفينتين قامتا بتعطيل أنظمة التتبّع الخاصة بهما، وأنزلتا أسلحة وعربات قتالية داخل الميناء، في خرقٍ واضح للإجراءات المعمول بها.
أوضح التحالف أنّ الشحنة العسكرية القادمة من الفجيرة كانت موجّهة لدعم المجلس الانتقالي، في مسعى لتأجيج الصراع في حضرموت والمهرة ( بالمناسبة المجلس الانتقالي كيان متحالف مع الإمارات ، ومؤشرات أنها تسعى للانفصال كما صوماليلانذ). وبناءً على ذلك، جرى تنفيذ ضربة محدودة استهدفت هذا الدعم العسكري الخارجي تحديدًا، في رسالة تؤكّد أنّ أي محاولة لإدخال السلاح خارج الأطر المتّفق عليها ستُواجَه بإجراءات مباشرة، حفاظًا على التوازنات الأمنية ومنع توسيع رقعة الصراع في اليمن.
تحليليًا؛ يمثّل إرسال الإمارات أسلحة إلى اليمن تصعيدًا مباشرًا يمسّ أمن السعودية الوطني، لا سيما أنّ حضرموت والمهرة ترتبطان بحدود برّية مع المملكة تمتدّ لنحو سبعمئة (700) كيلومتر، ما يجعل أي تحرّك عسكري فيهما ذا انعكاس فوري على العمق السعودي. كما يندرج هذا السلوك كذلك ضمن مخالفة واضحة لقرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي يحظر دعم وتسليح الأطراف غير الشرعية. وفي الوقت نفسه، يشكّل دعمًا صريحًا للمجلس الانتقالي المتمرّد، ومحاولة لفرض أمر واقع بالقوة في محافظتين طلبت السعودية صراحةً من قوات الانتقالي مغادرتهما، إدراكًا لحساسية موقعهما وخطورة الزجّ بهما في مسار صراع مفتوح.
في ميزان التحليل الاستراتيجي، تمثّل الضربة السعودية تحوّلًا محسوبًا من سياسة الاحتواء إلى الردع الانتقائي في المجال البحري. استهداف الدعم العسكري القادم من ميناء الفجيرة، من دون تصاريح، يحمل رسالة مباشرة للإمارات ويهدف إلى منع تعزيز قوات المجلس الانتقالي في الشرق اليمني، حيث تتقاطع الثروة النفطية مع الموانئ الاستراتيجية. تشكّل حضرموت وحدها نحو 36٪ من مساحة اليمن، وتضم موانئ محورية مثل المكلا والشحر، فضلًا عن حدود طويلة مع السعودية، ما يجعل أي اختلال فيها تهديدًا مباشرًا للأمن القومي السعودي.
العملية تندرج عسكريًا ضمن الضربة الاستباقية، وكشفت عن تفوّق جوي سعودي قائم على استخبارات دقيقة ورصد بحري متقدّم، مع التزام مُعلن بقواعد القانون الدولي الإنساني. استراتيجيًا، تسعى الرياض إلى كبح مسار الانفصال الجنوبي الذي يقوّض وحدة اليمن ويعقّد مسار التسوية مع الحوثيين، وإلى إضعاف الدعم الإماراتي للانتقالي من دون الذهاب إلى مواجهة مباشرة، مع تعزيز موقع الحكومة الشرعية.
▪️ ما هي الخيارات أفريقيًا؟
أفريقيًا، تفتح هذه التطوّرات هامشًا لإعادة التفكير في مقاربات المواجهة، من دون افتراض تصعيد وشيك. إذ لا توجد، حتى اللحظة، مؤشرات جدّية على أنّ الإمارات العربية المتحدة ماضية نحو رفع مستوى الأزمة أو السعي إلى الردّ على المملكة العربية السعودية بأساليب مباشرة أو غير مباشرة. كما أنّ حضورها في بعض الساحات الأفريقية، رغم كثافته، لا يمثّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي أو الإقليمي السعودي.
مع ذلك، يمكن تحويل هذه اللحظة إلى فرصة سياسية. فكلٌّ من السودان والصومال، وهما ساحتان تعانيان من أنماط متعدّدة من التدخّل الإماراتي عبر كيانات مختلفة تهدد وحدة أراضيها، قادران على تنسيق الجهود مع الرياض لكشف البنية الفعلية لهذه الخطط الخبيثة، وتعريتها سياسيًا وإعلاميًا، ثم الانتقال إلى صياغة استراتيجيات مواجهة أكثر شمولًا واتساقًا، وثقل الرياض سيحدث فرقاً جوهرياً.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock