تاريخ العرب

معركة البويب

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

في سنة ثلاث عشرة من الهجرة النبوية وبعد هزيمة المسلمين المؤلمة في معركة الجسر التي أفقدتهم زهرة من خيرة الصحابة نهض رجل من بني شيبان يُدعى المثنى بن حارثة الشيباني يجتمع حوله ما تبقى من جيش المسلمين وقد نجا هو أيضًا من معركة الجسر فلم يزل يجمع الجُرحى والناجين ويعيد ترتيب صفوفهم في الكوفة وفي المدائن حتى استعاد الجيش قوته وثبته في عزيمته فلما بلغه أن الفرس قد خرجوا بقيادة جرّيرويه أحد قواد كسرى ليُكملوا القضاء على المسلمين اجتمع رأيه مع رأي أصحابه على قتالهم قبل أن يتمكنوا من زحفهم إلى معاقل المسلمين
فاختار المثنى موقعًا محكمًا يعرف بالبويب على ضفاف نهر الفرات حيث تضيق الأرض بين النهر والتلال فكان ذلك حائلًا دون تفوق الفرس بعددهم الهائل وسلاحهم الثقيل وقد أعد للمعركة خطة محكمة فقسّم الجيش إلى كتائب كل كتيبة في موقع مناسب وأمر رماة السهام أن يبدأوا القتال من الخلف ثم يندفع الفرسان والمشاة حين يُضعف العدو فلما التقى الجمعان كان صوت التكبير يملأ السهل والوديان فكان المسلمون يرددون الله أكبر الله أكبر حتى كادت الأرض تهتز من هول الصيحة
وقاتل المثنى بنفسه في مقدمة الجيش وهو يُنادي لا نفرّ لا نفرّ اليوم نطلب الثأر لأهل الجسر ولا نعود إلا بالشهادة أو النصر فكان كالأسد الهصور لا يُرد له طعن ولا يُفلت من حربته أحد وقاتل معه أبطال من بني شيبان وبقية القبائل العربية التي آمنت بالله ورسوله فثبتوا ثبات الجبال وصمدوا صمود الصخر حتى تراجع الفرس أمام شدة الهجوم وانهارت صفوفهم وسط ذعر عظيم وأخذت الفيلة تقفز في النهر هربًا من وطأة السلاح الإسلامي
وكان النصر حليف المسلمين في تلك المعركة فقتل منهم نحو أربعمائة رجل بينما قُتل من الفرس عشرة آلاف أو يزيدون وهرب قائدهم جرّيرويه مذعورًا لا يلوى على شيء وقد فُتحت بعد هذه المعركة طرق العراق أمام الفتح الإسلامي فلم يعد للفُرس سند ولا دفاع يُذكر وانهار كِبرهم وغرورهم أمام إيمان المسلمين وصمودهم
وما أجمل أن يتعلم المسلمون من هذه المعركة أن الهزيمة لا تعني نهاية الطريق بل قد تكون بوابة للنصر إذا صدق العبد في عودته إلى ربه وإذا وحّد الكلمة وضبط الخطة وثبت على دينه فإن النصر من عند الله لا من كثرة العدد ولا قوة العُدد بل من ثبات القلب على التوحيد ومن صدق النية في الجهاد في سبيل الله

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock