رؤي ومقالات

علي الحفناوي يكتب :الريفيرا الضائعة في مصر

من أسواء ما تم تخطيطه وبناءه في مصر خلال الأربع عقود السابقة هو الساحل الشمالى بصفة عامة، والجزء القديم منه بصفة خاصة، أي الجزء بين سيدى كرير والعالمين، المسمى شعبيا بالساحل الطيب.
هذا الساحل بشواطئه كان يعتبر من أجمل سواحل العالم إلى أن امتدت يد الجهلاء والفاسدين لتشويهه… فلقد تم تقسيم هذا الجزء “الطيب” بدون نظرة مستقبلية لوضع مخطط عمرانى متكامل. فتحول إلى مشروع تقسيم لقطع أراضى ساحلية، تم تخصيص معظمها لجمعيات تعاونية فئوية، وكلفت أجهزة بيروقراطية عمرانية أو زراعية متهالكة للإشراف على تنفيذ عمليات البناء تحت عباءة هيئة تعاونيات منغمسة في قوانين ولوائح عقيمة تحت قيادة البعض من عبدة الروتين الذين انتهت صلاحيتهم منذ قرون… والعجيب أنه تم تسمية هذه التقسيمات بالقرى السياحية، وهى لا تمت للسياحة بأى شيئ سوى حمل الاسم.
غاب المخطط الهندسى العمرانى لتحويل هذا الساحل الرائع إلى ريفيرا سياحية تدر المليارات للدولة، ريفيرا لا مثيل لها في أي جزء من الريفيرا الفرنسية أو الإيطالية، وللأسف لا سبيل للعودة إلى الوراء… ولكن…
كما يقول المثل: “ما لا يدرك كله لا يترك كله”. لذلك يجب وضع مشروع متكامل لإعادة تأهيل قرى الساحل الشمالى. مشروع يعتمد على إصلاح وتطوير وتنمية ما سبق إنشاءه، وتحويل معظم تلك القرى إلى مجتمعات عمرانية سياحية وترفيهية تعمل وتنشط طوال العام، بالإضافة إلى دورها كمصيف لمن سبق له الاستثمار فيها… ولكى يتم ذلك، يجب وضع بعض القواعد لكيفية إعادة تأهيل هذا الساحل الطيب، ألخصها فيما يلى:
1) يجب نقل التبعية الإدارية للساحل ولمشروع إعادة تأهيله إلى هيئة سياحية مستجدة يتم إنشاؤها تحت مظلة وزارة السياحة وفق قواعد علمية وإدارة حديثة، مع إنهاء أي تبعية لهيئة تعاونيات البناء أو هيئة المجتمعات العمرانية أو أي وزارة لا شأن لها بالسياحة.
2) يجب حصر كل الأراضى غير المستغلة بين القرى أو داخل القرى – وهى كثيرة نظرا لعدم استغلالها من قبل الملاك في تلك القرى نتيجة لضعف امكانياتهم المالية – على أن تقوم “الهيئة السياحية” الجديدة في طرحها للاستثمار السياحى، سواء في مشروعات فندقية أو خدمية أو تجارية تخدم الأنشطة السياحية دون سواها، بحيث يتولى كل مستثمر (أو شركة استثمار) إقامة تلك المشروعات مع تكليفه بتجديد وإعادة تأهيل المرافق العامة في القرية التي يقيم بها مشروعه السياحى، وكذلك على المستثمر أو على شركته تولى إدارة القرية نفسها بأسلوب علمى منظم وفندقى، لضمان مستوى الأمن والنظافة والصيانة، مع تولى مسئولية كل عمليات التأجير لوحدات القرية من خلال شركته أو مؤسسته المعتمدة من الهيئة السياحية.
3) بالإضافة لعملية الاشراف، على الهيئة السياحية الجديدة القيام بدور التسويق لهذا المقصد السياحى المستجد خارج مصر. (وبالمناسبة لا ننسى أن الأجواء الشتوية في الساحل الشمالى أفضل من الأجواء الصيفية في أوروبا أو حتى في تونس والمغرب. هذا ردا على خوف المصريين غير المبرر من النوات الشتوية؛ وهناك بعض الأمثلة لأجانب قرروا الإقامة في الساحل طوال العام).
4) يجب أن يسبق التنفيذ دراسات الجدوى الاقتصادية من قبل المستثمرين بالتعاون مع الهيئة السياحية، حتى يتبين قيمة التكلفة الاستثمارية والعائد منها سواء كموارد للمستثمر أو للدولة، وحجم فرص العمل الجديدة مع كل مشروع. هذا على أن تعتمد دراسات الجدوى في المقام الأول على نشاط سياحى طوال العام في الساحل الشمالى.
إن مشروع إعادة تأهيل الساحل الشمالى لتحويله إلى ريفيرا سياحية قابل للتنفيذ طالما أثبتت الدراسة جدواه الاقتصادية. فنتائج الدراسة هي التي تجذب المستثمر، سواء الأجنبي أو المصرى. ونثق أن الدولة إن وضعت على رأس الهيئة السياحية المطلوب إنشاءها متخصصين من ذوى الخبرة الدولية، ستنجح في جذب الاستثمارات وتعظيم عائدها السياحى وفى إزالة الفشل الساحلى وخلق فرص عمل وإقامة مجتمعات متكاملة على جزء هام من أرض مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى