رؤي ومقالات

جمال غيطاس يكتب :صاروخ بـ 32 مليار دولار يخترق رأس القاهرة: لماذا ننهزم وينتصرون؟

نصل الآن للسؤال المرير: لماذا تمكن عدونا من قصف جبين وطننا بـ 16 صاروخ معرفي عبر الـ 16 سنة الأخيرة، وتمكن من بواسطة هذه الصواريخ المعرفية من تمرير نحو 82.8 مليار دولار إلي جوفه خلال هذه الفترة فيما لم نستطع نحن الرد بالمثل ليبدو الأمر كهزيمة ابداعية واضحة؟
اجابتي ـ التي قد يختلف أو يتفق معها البعض، وقد تكون خاطئة أو صحيحة ـ أن وطننا جرى تكبيله بـ 113 قيدا في 121 نقطة تشكل في مجملها أدوات المنافسة والصراع في معركته الإبداعية مع عدوه، وهذه القيود كان البعض منها موضوعيا لظروف قاهرة، والكثير منها إما إهمالا أو جهلا أو عمدا … كيف ولماذا؟ ارجو بكل ما لديك من وطنيه وغيرة على بلادك ومستقبلها ومصالحها أن تصبر وتطالع التفاصيل التالية، فربما تجد فيها ما يفيد في الإجابة.
لكي أعرف وضعية وطننا في معركته الإبداعية مع عدوه بتركيز علي تقنية المعلومات، حرصت علي ان تكون الإجابة بعيدة عن الآراء الشخصية، والاجتهادات المنطلقة من خلفيات تأييد أو معارضة السلطة القائمة
لذلك لجأت إلى البيانات الواردة في مؤشر الابتكار العالمي الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة، خلال الفترة من 2021 الي 2024، والذي قامت خلاله المنظمة بتحليل أوضاع البيئة الإبداعية داخل 132 دولة، ورصدت ما بها من نقاط قوة وضعف استنادا إلى 127 نقطة قياس، تغطي جميع العناصر والعوامل المؤثرة في القدرة الإبداعية للدولة.
ولكي يتوفر للتحليل القدر المعقول من الشفافية والوضوح، قمت بإعداد الجدول المنشور بالأسفل، الذي يعرض المراكز التي حصل عليها وطننا بين دول العالم الـ 132، في الـ 121 نقطة ذات العلاقة بالقدرة الإبداعية في تقنية المعلومات، خلال الفترة المشار إليها، وذلك في مقابل ما حصل عليه العدو.
ولحضراتكم حرية تنزيل الجدول ومراجعته، وستجدون في العمود الأخير ارقاما توضح فارق المراكز بيننا وبين العدو علي قائمة الـ 132 دولة، وفي حالة تفوقنا علي العدو واحتلالنا لمراكز متقدمة عليه، ستجدون الرقم ملون باللون الأخضر علي أرضية خضراء والسهم بجواره يتجه لأعلى علامة النصر، وفي حالة تفوق العدو علينا، سيكون الرقم ملون باللون الأحمر على أرضية حمراء والسهم يتجه لأسفل علامة الهزيمة، وكل ذلك وفق المتوسط العام الذي حققه وطننا في مقابل المتوسط العام الذي حققه العدو خلال السنوات الأربع المشار إليها.
حتى لا أطيل على حضراتكم سأعرض بعض ملاحظاتي الشخصية السريعة على موقف وطننا في هذه المعركة، ولحضراتكم العودة للجدول أو للبيانات التفصيلية من مصدرها الأصلي المشار إليه، للوقوف على المزيد:
1 ــ فى التقييم الإجمالي وطننا مهزوم هزيمة واضحة، حيث كان ترتيبه يدور بين المركزين 86 و94، بمتوسط عام 74، أما العدو فكان ترتيبه يدور بين المركزين 14 و16 بمتوسط عام 15، وبالتالي خسر وطننا امام العدو بفارق 74 مركزا في المتوسط العام.
2 ـ هناك مجموعة من 5 نقاط يسبقنا فيهم العدو بما يتراوح بين 90 و105 مركز، وهم:
ــــ عدد العاملين في مجال المعرفة (الفارق 105 مركز)
ــ تطوير الأعمال (الفارق 96 مركز)
ــ صفقات المشاريع المشتركة الخاصة بالتحالفات الاستراتيجية مقدرة بالمليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي (الفارق95 مركز)
ــ مقاييس برنامج التقييم الدولي للطلاب في القراءة والرياضيات والعلوم (الفارق 90 مركز)
ـ عدد نطاقات الأسماء المعتمدة على المستوى الوطني الأعلى الحامل لرمز الدولة في عناوين مواقع الإنترنت (في حالة وطننا الرمز أو الامتداد .eg) مقسوما على عدد السكان في الشرائح العمرية بين 15 و69 عاما. (الفارق 92 مركز).
3 ــ هناك مجموعة من 57 نقطة سبقنا فيهم العدو بفارق يتراوح بين 87 و50 مركز من بينها النقاط الست التالية:
ـ معدل التعريفة الجمركية المطبق (الفارق 57 مركزا)
ـ كفاءة الحكومة، الفارق (74 مركزا)
ــ سيادة القانون (الفارق 54 مركزا).
ـ البيئة المؤسسية (الفارق 64 مركزا).
ـ البيئة السياسية (الفارق 66 مركزا)
ـ البيئة التنظيمية (الفارق 68 مركزا).
في النقاط الست السابقة ـ وهي على سبيل المثال لا الحصر ـ نحن أمام أمور ليس لها علاقة بميزانيات أو فقر أو جهل أو مرض أو مواطن أو مؤامرات خارجية أو روابط عضوية بين الكيان وامريكا أو خلافه مما يجادل به البعض، وإنما هي ترتبط مباشرة بالسلطة القائمة وما إذا كانت ترغب حقا في العمل على حلها وتحسينها أم لا.
المعني الواضح في هذه النقاط أن وطننا تعرض فيها ولا يزال لهزيمة قاسية، ليس نتيجة قوة قاهرة أو تقصير من الشعب أو عجز في قدراته الإبداعية، أو ذكاء خارق مفرط من العدو، وإنما نتيجة أن السلطة فشلت في القيام بواجبها في بناء سياسة جمركية وكفاءة حكومية وسيادة قانون وبيئات مؤسسية وسياسية وتنظيمية قادرة على مناطحة نظرائها لدي العدو وتحقيق النصر، وقدمت وتقدم إداء ضعيفا لا يضاهي ما يقوم به العدو، سواء كان أداء ناجما عن عجز او تقصير أو جهل أو اهمال أو حتى عن عمد.
4 ـ هناك 35 نقطة سبقنا فيهم العدو بفارق يتراوح بين 47 و23 مركزا، وحينما راجعت هذه النقاط توصلت الي ملاحظتين:
ـــ الأولى: أنها نقاط تتعلق في مجملها بالجوانب الأكثر اقترابا والتصاقا بأعمال صناعة تقنية المعلومات، سواء من حيث التمويل أو العائدات أو الموارد البشرية والقدرة ونواتج الإبداع وخلافه، فمن بينها على سبيل المثال الاستقرار التشغيلي للشركات، والاستقرار السياسي والتشغيلي العام والفارق فيه 42 مركزا، وواردات التقنية العالية، وتعقيدات الإنتاج والتصدير وتمويل الشركات الناشئة وسهولة بدء الأعمال وسياسات وثقافة ريادة الأعمال وغيرها.
ـ والثانية: أن الكثير من نقاط الهزيمة في هذه المجموعة تبدو ذات علاقة وطيدة بالنقاط الستة التي هزمنا فيها بسبب الأداء الضعيف للسلطة مباشرة، ما يعني أن ضعف أداء السلطة امتد تأثيره ولو بصورة غير مباشرة إلي حلقة أوسع من الهزائم تدخل ضمن نقاط المجموعة الحالية البالغة 35 نقطة، ما يدفع الي القول بأن التأثير السيء لأداء السلطة يمتد بصورة عرضية في جميع نقاط الهزيمة التي تراوح فيها فارق المراكز بيننا وبين العدو بين 105 و 23 مركز.
5 ـ هناك 15 نقطة تقلص فيها الفارق بيننا وبين العدو الي ما يتراوح بين 19 و3 نقاط، أي كانت الهزيمة فيها أخف وطأة عن سابقاتها لكنها تظل في النهاية هزيمة وأمر غير مقبول.
6 ـ هناك 6 نقاط فقط حقق فيها وطننا الانتصار على العدو وهي:
ـــ العلامات التجارية حسب المنشأ مقدرة بالمليار دولار من الناتج المحلي تفوق بعدد 21 مركز
ــ تنويع الصناعة المحلية تفوق بعدد 17 مركز
ـ حالة تطور المجموعة وعمقها تفوق بعدد 24 مركز
ـ حالة تطوير المجموعات تفوق بعدد 30 مركز
ـ حجم السوق المحلية بالميار دولار امريكي تفوق بعدد 29 مركز
ـ النمو في إنتاجية العمل بالنسبة المئوية. تفوق بعدد 17 مركز
بالإضافة لذلك يوجد نقطتان لم تتوفر فيهما بيانات عن مصر ويظهران بالجدول باللون الأصفر.
اعتقد أن القراءة السابقة تفتح الباب لمناقشة حدود ومسئولية كل من السلطة والمواطن في هذه الهزيمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى