فيس وتويتر

محمد البرغوثي يكتب :نبش قبر الزعيم الخالد وسرقة رفاته

طيرت وكالات الأنباء صباح اليوم ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ خبر نبش مجهولين قبر الرئيس السورى الأسبق حافظ الأسد وسرقة رفاته من المقبرة الفخمة المعروفة ب ” قبر الزعيم الخالد”،بمسقط رأسه فى قرية “القرداحة” فى اللاذقية.
وقد ذكرنى هذا الخبر بحكاية أليمة.
كنت أعمل فى دولة الإمارات صحفيا بجريدة الخليج لمدة ٤ سنوات ونصف، وكان لى فى الجريدة أصدقاء وزملاء سوريين من أفضل الناس كفاءة وإخلاصا فى العمل .وقد لاحظت أنهم حكائون ومثقفون واجتماعيون ومحبون للحياة ، ولكنهم شديدو الحرص على عدم الحديث فى الشأن الداخلى السورى، ويستحيل مهما امتد الحديث لساعات وطوَّح بنا شرقا وغربا،أن يتورط أحدهم فى قول جملة واحدة عن الشأن السياسى السورى، وإذا حدث وجاء ذكر الرئيس حافظ الأسد على لسان صحفى غير سورى فإنهم يستأذنون فجأة ويغادرون المجلس.
وذات يوم من شهر يونيو عام ٢٠٠٠ كنا كعادتنا نتناول بعض المشروبات فى مكتب زميل سورى بعد الانتهاء من رسم صفحات الجريدة، ونتحدث فى أمور عديدة لارابط بينها، عندما ظهر على شاشة التلفزيون المفتوح على قناة الجزيرة خبر عاجل: وفاة الرئيس السورى حافظ الأسد.
كنا فى المكتب ثلاثة فلسطينين أحدهم يعيش فى سوريا واثنين سوريين وزميل سودانى وأنا من مصر.
وما أن ظهر الخبر على شاشة الجزيرة حتى انتفض الزميلين السوريين والزميل الفلسطينى الذى يعيش فى سوريا فى فرحة جنونية عارمة لم تستغرق أكثر من ثوانٍ، وفجأة انتبه الثلاثة إلى أنفسهم فتوقفوا تماما عما هم فيه من فرح هيستيرى، وانقلبوا إلى التظاهر بالبكاء حزنا على الرئيس الراحل!.
يومها أذهلنى هذا الموقف الغريب:لماذا انقلب الزملاء الثلاثة من حالة الفرح الهيستيرى إلى البكاء والانتحاب التمثيلي ؟.
كان أحدهم أكثر قربا لى وكنت ومازلت أعتبره واحدا ممن تعلمت منهم الكثير ، وبعد الانصراف من الجريدة اتصل بى وعزمنى على فنجان قهوة فى بيته، ويومها قال لى: فجأة ونحن فى قمة الفرح الهيستيرى تذكرنا أن ابنه قد يتولى السلطة ، وياويل من يثبت عليه أنه فرح فى وفاة حافظ الأسد. صحيح نحن فى الإمارات ولكن كل منا لديه أسرة فى سوريا، وسوف يتم أخذ أسرنا رهائن حتى نسلم أنفسنا وتتم محاكمتنا بعشرات التهم وقد لانخرج من السجون حتى الموت.
ويومها أخبرنى الزميل السورى بما لايمكن أن أنساه أبدا: هل تعلم ماهى الهتافات التى نرددها فى مظاهرات تأييد حافظ الأسد؟.خذ عندك هذا الهتاف:
زعيمنا من القرداحة
عاطى على أله لاحة
ومعناه أن زعيمنا الذى وُلد فى بلدة القرداحة يشبه الله عز وجل.
وخذ عندك : حلَّك ياأله حلك
يقعد حافظ محلك.
ومعناه: يارب كفاك ألوهية وينبغى أن تنزل عن عرشك ليجلس عليه حافظ الأسد.
والحقيقة أن أكثر ماأذهلنى فى هذه الهتافات المخيفة، ليس حجم الخوف الذى أذل الرجال ومسخهم وليس عمق انسحاق وتشوه الشعوب أمام جبروت واستبداد حاكم ، ولكن فداحة غباء الحاكم الذى يوافق على مثل هذه الهتافات لشخصه.
واليوم وبعد شهور من سقوط حكم إبن الأسد ، هاهم الذين طالب أباؤهم الله بإجلاس حافظ محله،لأنه يستحق أن يرث الألوهية من الله عز وجل، هاهم بعد أن تبولوا على مقبرة الزعيم الخالد مرات عديدة وأحرقوها، هاهم ينبشون المقبرة ويختطفون رفاته ويذهبون بها إلى حيث لايدرى أحد. ولنا الأن أن نتوقع أنهم رموها فى مقلب قمامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى