قبل سنة… نادين عبدالجبار

قبل سنة ونصف وصلتني أربعة كتب مع رئيس قسمنا في اللغة العربية، أخبرني أنها من صديقة وأخوه عبد الباسط الرويني، وأن هذا الشخص حين علم أنني قد وضعت ذات نقاش في قاعة الكلية عن فكرة إنشاء مكتبة أدبية واسعة في الضالع، قد سمع عن فكرتي وأسعده هذا الأمر وأرسل لي بعض كتبه وطلب الحديث إليّ, حينها سألت عنه وأخبرني أنه كان صاحب أوائل المكاتب الأدبية الكبيرة لدينا ، وأن له الدور كبير في إنشاء المكتبة الوطنية الثقافية في الضالع, وفتح المنتدى الأدبي الضالعي كما أخبرني عن محاولاته في تجميع الشعراء وعمل الأمسيات الشعرية لهم، وعن تجميعه الكثير من الأشعار الضالعية للعديد من شعراء الضالع في كتاب, وأخبرني كذلك عن الكثير من إنجازات هذا المنسي العظيم…
ليخبرني كذلك أنه تم إغلاق المكتبة الوطنية التي فتحها لأسباب عدة, وبعدها أعطاني رقم الرويني وأخبرني أنه يريد أن يحدثني بنفسه عن المكتبة وعن رغبته ومحاولاته العديدة في إعادة فتحها..
كان الحديث الأول لي معه، الرويني هذا الكبير بالسن، الواعي جدًا بالعقل، من لم تبدل مناخات الأيام وشقائها من أصالة فكرة ورزانة حديثه وبحة صوته المليئة شجنًا وحياة. أتذكره كأنني أسمعه الآن، وهو يتحدث عن محاولاته في عمل المكتبة وتعبه الكبير فيها، وعن مؤلفاته وكتاباته وأشعاره، وعن حزنه الكبير جدًا في إغلاق المكتبة, تحدث كثيرًا عن خيبته من القادة وعن محاولاته الكثيرة في دق أبوابهم، لينتهي الأمر بالمكتبة أن تُركن في مخازن أحد المدارس لعدم القدرة على توفير مكان لها أو دفع إيجار مكانها السابق, استمعتُ إلى حزنه وعجزه بحزنٍ أكبر وعجزٌ أذل..
فكيف لكمية كبيرة جدًا من الكتب القيمة أن تكون مرمية في المخازن للعجز عن توفير أبسط الحقوق في فتحها وإعادتها من جديد!!
بينما قد يهدرون أموالًا كبيرة تحت مسميات تافهة جدًا ومزيفة باسم التوعية والثقافة والوطن, كأنهم لا يدركون أن الوطن هذا يبدأ صلاحه من الفكر الشبابي والوعي الثقافي لديهم، لا يدركون أهمية ما تصنعه الكتب من أمجاد وما تغيره الكتب من مسارات…
لا يدركون أن ما قامت قيامة الدول ونمت إلا بالثقافة والكتب والعلم. هذه الكتب الأدبية العلمية من تصنع أجيالًا وتهدم نواطح من فساد وجهل…
لكن من عليك أن تحدث من سيستمع لك أصلًا، من سيأخذ حديثك الفلسفي على محمل الجد؟! أنت مجرد متفلسف حالم ولا تدرك كيف تقوم الدول وكيفَ تصرف أموالها!
فالكتب والعلم والأدب والمكاتب, هذا آخر ما يمكن أن يفكروا فيه في وطننا,آخر ماقد يهتمون به هم الأدباء…
واليوم هانحن قد فقدنا هذا المكافح العظيم، فقدنا أحد الأنوار التي لم ولا ندرك قيمتها إلا عند الرحيل…
رحمك الله أستاذي ووالدي العزيز وغفر الله لك وأثابك تعبك وجهدك، فهو من لا تضيع لديه الجهود….