المِفتـاح…..بقلم سليمان دغش

لمْ يَبْقَ عِندي غيرُ مِفتاحي الحَديدِيِّ العَتيقِ، مُعَلَّقاً
مثلَ الصَّليبِ بِرَقْبَتي، مُتَدَلِّياً ما فَوقَ صَدري، لمْ يُفارِقْني ولا فارَقتُهُ يوماً، سألتُهُ ذاتَ يَومٍ:
هلْ وُلدتَ مَعي من رَحمِ أمّي، لَعنَةً أبَدِيَّةً ما
زِلتُ أحمِلُ وِزْرَها وَحدي، فلا أحَدٌ يشارِكُني
الطَّريقَ إلى الصَّليبِ ودَربَ آلامي الطَّويلَ إلى القِيامَةِ، هَلْ هناكَ قِيامَةٌ؟ أم أنَّها وهْمٌ يُخَدِّرُنا لِنَحتَمِلَ الجَحيمَ الدُّنيَوِيَّ،
كأنَّهُ قَدَرٌ مِنَ اللهِ علينا، لا خَيارَ لنا سوى التسليمِ، عَلَّ اللهَ
يُدخِلُنا إلى فِردَوسِهِ المُتَخَيَّلِ الوهميِّ تَعويضاً على خِذلاننا
العَرَبِيَّ والذلّ الذي ما زالَ يَذبَحُنا هُنا وهُناكَ،
ثمَّ نزيدُ مِنْ صَلواتنا نرجو من اللهِ الخلاصَ، ولا نُحَرِّكُ ساكِناً،
فاللهُ يَنصُرُنا وَنَحنُ أذِلَّةٌ واللهُ يَقبَلُ صومَنا وصَلاتنا ودُعاءَنا
وركوعَنا مِثلَ الأرانِبِ خانِعينَ لما يريدُ الحاكِمُ المَخصِيُّ مِنا
واللهُ يُدخِلُنا النَّعيمَ ونَحنُ في عِزِّ الجَحيمِ، ولا نريدُ سوى
الحَواري والجَواري مُتعَةٌ أبَدِيَّةً لا تَنتهي، فاللهُ مسئولٌ يُدَبِّرُ أمرَنا
تَبَّاً لكُم، واللهِ إنَّ اللهُ ليسَ بسائلٍ عنّا
لمْ يَبقَ لي شيءٌ سِواكَ، ووهمُ وَعدٍ كاذِبٍ مِنْ قَبْلِ
أنْ نَعَقَ الغُرابُ بِهِ على مِذياعِنا العَرَبِيِّ، إنّا عائدونَ،
وأنشَدَتْ فيروزُ للجِسرِ الذي عَبَرَتْ عَليهِ دُموعُنا والذِّكرَياتُ
وحُلمُ عَودَتِنا الشهيدُ، فأوَّلُ الشُّهداءِ فينا حُلمُ عَوْدَتِنا
وآخِرُ شاهِدٍ ما زالَ حَيّاً رُبَّما أو مَيِّتاً حياً على
هُلُكُوستِ نَكبَتِنا، فأينَ الجِسرُ يا فَيروزُ، كمْ غَنَّيتِ
للنَّهرِ الحَزينِ وجِسرِنا الخَشَبِيِّ يَسبَحُ فَوقَهُ، لمْ يَحتَمِلْ
خَشَبُ الجُسورِ نُزوحَنا وجُروحَنا ودُموعَنا وأنينَنا
فاستَبدَلوهُ بمادَّةِ الإسمنتِ، لا لِنَعودَ فَوقَهُ بَلْ لِنَنسى حُلْمَ عَودَتِنا وَوَعداً لم يَكُنْ إلّا مؤامَرَةً لإخلاء البلادِ مِنَ العبادِ فوَيحنا أنَّا تَركناها فلا وعدٌ ولا عَهدٌ تَبَخَّرَ كلُّ شيءٍ وانتَهى
لمْ يَبْقَ لي شيءٌ هُناكَ وكُلُّ شيءٍ كانَ لي، وطَني المُقَدَّس،
بيتِيَ الحَجَريُّ، شاطئُ بحرِيَ المفتوحُ والنَّهرُ الحَزينُ
وزُرقَةُ الأُفَقِ التي لا تنتَهي
لا شَيءَ عِندي غير مِفتاحي القَديمِ لِغايَةِ الذِّكرى الحَزينَةِ
خُذْ مكانَكَ هاهنا قُربَ الخَريطَةِ فوقَ حائطِ غُرفتي
لا بابَ تَفتَحُهُ ولا بَيتٌ هناكَ لكيْ نَعودَ مَعاً إليهِ غَداً
إذا ما جاءَ يوماً ما غَدٌ
لا شَيءَ، حتّى أنتَ يا مِفتاحَ بَيتي صرتَ ذِكرى