كتاب وشعراء

أسئلة تُثير الاستغراب في ملف القضية 10280 …..قصه قصيره بقلم شيماء ثائر”

حين تُقّلبُ صفحات الرواية المعنونة ” ملف القضية 10280 ” التي اشتغلت عليها الكاتبة “شيماء ثائر ” تقفز إلى مخيلتك الكثير من الاسئلة التي سخرّتها الكاتبة لتكون طريقاً واضحاً للتعبير عن تلك المآسي التي يمر بها الإنسان عبر فترات حياته التي عاشها .
بحيث أنها صنعت من هذه القضية محاكمة نفسية لشخوصها التي وضعتهم في ملف بدوائر المحاكم التي تخيلتها واقترحت وجودها على ورقها الأبيض . لتحاكمهم بطريقتها الخاصة وتوصل رسالتها إلينا ، لتبين لنا ولو بشكل نسبي تجليات من ملامح الواقع المتلبس الذي نعيشه وتعيشه الكاتبة، منطلقة من عدة أسباب قد تكون مرت بها قائلة .
” شدً صوتُك رحاله تاركا أذني صماء ، عن ضجيج هذا العالم ، ولفظتني الأماكن في غيابك ، فعدت اليكِ بعد حياة كاملة ، لأجدكِ حلماً مسروقاً قضى نحبه ، وقبل أن يموت … قتلني ” شيماء
وانطلاقاً من الصفحات الأولى قالت قولها عبر ” الإهداء ” الذي هو بمثابة رسالة عميقة مشبعة بأسئلة منطقية تمس الجميع ومنهم أولئك الذين هم غافلون عما نمر به من انتكاسات عاطفية أو غيرها لتحدد لنا المسار الواضح الذي يفضي الى الاستقامة .
” لكل الخيارات التي لم نتخذها ظناً منا أننا سلكنا الطريق المناسب ” ص5
فجاءت روايتها على شكل تواريخ وعناوين في مقدمة الصفحات لتظهر روزنامنتها الخاصة بالاحداث المفصلية التي اقتحمت عالمها مثيرة الاسئلة التي أرادت طرحها للقارئ ، فا التاريخ الأول الذي هو 28 آب 2021 إلى 4 أيلول 2021 بوصفها إشكالية إنسانية لا به منها تمثل تواريخ محن وأزمات نفسية مهما كان مستوانا العلمي والثقافي .
حتى تتابعت عناوين الصفحات لتعبر عن هذا الواقع المهشم والمر وما يحمله من آنين وعذابات . مما سحبت البساط عنا وهي تضع صفحتها الأولى في هذا التاريخ لتبرّئ لنا شخصية البطل الأستاذ الأكاديمي ” جمال حميد عبد الهادي ” وهو تعود بنا إلى ما مربه ، بعد أن قضى ثلاثة شهور في التعذيب الوحشي على يد السلطات الإجرامية . وترسم لنا شخوصها عبر آليات اشتغال محسوبة ومدروسة وبلغة جميلة وسهلة للقارئ .
” سامحنا إن آذيناك ” ص7
يقال أن النهايات السعيدة للروايات هي الأكثر إقبالا من جانب القراء ، لما تحمله من نبرة تفاؤل وسعادة لمصير الأبطال الذين يتعايش معهم الجمهور، فهي جعلت نهاية روايتها تعيسة لتكون الأكثر متعة وتشويقا ً من خلال الأحداث التي مر بها شخوص روايتها .
وكما فعل غيرها من الكتاب في عالم الرواية ومنهم ” جورج أور ويل ” فرانز كافاكا ” بول أوستر ” والقائمة تطول .
” لأنني سأجد ثمن ذلك وأدفعه ، ثمن الأرواح التي لم تأويها الحياة بسببي وأولها روحي ” ص77
ويمكن القول أن ثمة أدب مظلم وهو تصنيف فرعي لأدب الجريمة ، وقد إشتغلت عليه الكتابة بكل هواجسها لترسم شخوصها بكل ما تملك من أدوات قراءة ومعرفية في عالم السرد .وكما يقول ” بول أوستر ” إن الذاكرة كما تعلم هي الفخ الأكبر ” وبهذه البرودة التي عملت عليها الكاتبة منذ صفحتها الأولى تصفعك بكل ما في الواقع من قذارة .
” لا معنى للكلمات ، كل الكلمات حين لا تريد أن تسمع ” ص17
والرواية من الروايات القصيرة والتي تقع في 77 صفحة من القطع المتوسط ، وصادرة عن دار نشر ” السامر ط للترجمة والنشر – العراق – البصرة .هذا السرد ” الحكي ” في هذه الرواية الذي أخذتني اليه الكاتبة ” شيماء ثائر ” هو اجترار الروح والحكم على العوالم التي تتحرك في مساحات من هذه الحياة ،
” حين تنام أول يوم في زنزانة فإنك تنسى ، تستيقظ كأنك حر ثم تتذكر أنك لست كذلك ” ص19
وجعلها في ملف وكأنها ذهبت إلى عالم المحاكم ، وأخذت تبحث عن قضية أرادت إيصالها للتعبير عما نمر به من صراعات إنسانية بتجليات مختلفة .حيث رسمت معالم روايتها الواقعية من هذا الملف الذي اختارته هي ليكون شاهدا على عصرها ، وقد حركت فينا هذه المشاهد والشخوص التي عاشت همومها وأفكارها السلبية والإيجابية عبر شخصية ” جمال ” ببعض ما مر به ، الذي ترك علومه وطلابه وظل يبحث عن حبه الأول ” شمس ” وهو يقول لنا .
” فتشت حينها عما يسكنني أو عن ثقب اسود يبتعلني لأخرج منه في زمن آخر ” ص72
وهنا حاولت الكاتبة التعبير عبر عدة إشارات أذكر منها ” الخوف + المصداقية + الطائفية ” وغيرها كي تنمي حالة الحب لدى الآخر الذي نفتقده في هذه الأيام .فجعلت من روايتها هي بمثابة تحفيز للمكوث على منصة التعامل بصدق مع الآخر وهذه إشارة واضحة في مجمل صفحات الرواية من قبل بطلها .
” سأفتش عن نفسي في نفسي لأوصلك لما حدث ” ص45
عالم مختلف فيه من السوداوية الكثير عبر شخوص عاشتها الكاتبة ” شيماء ” التي جعلتهم يمرون بهذه الأوقات التي حددتها المؤلفة وهم ” هاجر + شمس + جمال ” وغيرهم . وهي تواريخ معاصرة حيث كان تاريخ ” 28 أب2021 ” هو افتتاحية الرواية الذي رسمت معالمه عالم الزنزانة .
” زنزانة تخثر الوقت فيها ، ابتلعت الرطوبة هواءها القابل للاستنشاق ، أحالت الاجساد التي تملؤها إلى حقق ندية ورنات تصارع الهواء ” ص7 . وعبر تركيبة سيميائية تجلت في المتخيل لأمكنة وشخوص وإشارات زمانها تمكنت الكاتبة من تفعيل علامات الدلالة الضمنية تارة عبر الصورة المتخيلة للاحداث وتارة عبر طبيعة السرد .
ولا أغالي إن قلت هذا النمط من الروايات هو المفضل لي لانيي أجد فيه من متعة وتشويق وإبحار في عالم النفس البشرية عبر لغة مفعمة بالجمال والبساطة دون تعقيدات تبعدك عن المعنى المراد طرحه من قبل الكاتب ، وهذه الرواية القصيرة فيها من الثيم الكثير لمعالجة مشكلات عانى منها الإنسان العراقي والعربي ” قلق + خوف + وفقدان الصدق + بسبب تحولات مفصلية عاتية في مجتمعاتنا ” وقد وضعت الرواية تواريخ محددة سجلتها ضمن هذا الملف الساخن والمشتبك بقضاياه المختلفة .
” أعنف الحزن ما كان صامتاً ، ينتشر كبقعة حبر تسقط على ورقة ، يكبر ويتمدد دون أن يسمع له صوت ” ص42
وبالتالي توضح الساردة شيئا من معالم حياتها عبر وتيرة محكمة لتتنفس نسمات هذا الصباح ، وتؤكد حضورها ولو بشكل ضئيل بين كتاب وأسماء مهمة في عالم السر ، وهذه هي التجربة الروائية الأولى حسب علمي لهذه الكاتبة ، وكانت قد أصدرت مجموعة قصصية بعنوان ( الملائكة تخطئ أحيانا ) وقد صدرت هذه المجموعة القصصية عن دار ( نت ماركيز ) في العام 2020 ، ويمكن القول أن الكاتبة أكدت حضورها عبر شخوصها التي تراقصت حياتهم على الورق الأبيض .
” إذا كنت تقودُ كالبرق فحتماً ستصدم كالرعد ” ص23

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى