إبراهيم نوار يكتب :هل أصبح الشرق الأوسط تحت سيطرة الردع الإسرائيلي الشامل عسكريا وسياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا …

وجد الطيران الإسرائيلي طريقه بسهولة إلى قلب إيران، وتمكن من ضرب منشآت نووية في نطنز وفوردو وأماكن أخرى، كما نفذ جهاز المخابرات الإسرائيلي عددا من عمليات الاغتيال والتخريب في قلب العاصمة طهران. وكان من ضحايا هذه العمليات رئيس أركان حرب القوات المسلحة الإيرانية وقائد الحرس الثوري وقائد قوات خاتم الأنبياء المكلفة بمهمات الدفاع الجوي. لهذا قالت إسرائيل أن نتائج الضربة الأولى فجر اليوم الجمعة كانت أفضل من التوقعات. وبعدها أكدت ان العمليات مستمرة ربما لعدة أيام، أو عدة أسابيع حتى تحقق أهدافها. الهدف الأول هو تدمير البرنامج النووي الإيراني تماما، وضرب المنشآت العسكرية التي قد تلعب دورا في الحد من السيطرة الجوية للطيران الإسرائيلية على سماء الحرب، وأهمها القواعد الصاروخية ومراكز تطوير وانتاج الصواريخ والطائرات المسيرة. الأجواء الإيرانية تبدو مكشوفة تماما، ولم تصدر بعد أي بيانات عن إصابات تعرضت لها الطائرات الإسرائيلية المهاجمة بنيران قوات الدفاع الجوي الإيراني. إسرائيل قالت إنها تمكنت من تدمير أنظمة الدفاع الجوي التي تعمل في غرب إيران وقواعد الصواريخ الموجهة ناحية الغرب أيضا.
الضربة الإسرائيلية جاءت بعد أقل من 24 ساعة من تهديدات أطلقها قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال سلامي الذي أعلنت إيران استشهاده اليوم، قال فيها إن الوثائق التي حصلت عليها إيران عن البرنامج النووي الإيراني تزود منظومة الصواريخ ببيانات واحداثيات أدق من شأنها زيادة درجة الدقة والفاعلية في توجيه ضربات إلى إسرائيل، لكنه رحل قبل أن يتحقق ذلك. وقد استفادت إسرائيل من كافة مزايا تفوقها العسكري، حيث تحصنت من الناحية الدفاعية بعدد من منظومات الدفاع الجوي المتعدد الطبقات و نطاقات ونوعيات القوة النيرانية للاحتماء من ضربات الصواريخ والمسيرات التي قد تطلقها إيران. وفي الوقت نفسه فإنها تتمتع بتفوق جوي وصاروخي ساحق، يساعدها على الوصول الى أهدافها من دون خشية التعرض لمقاومة حقيقة سواء في الجو، لأن إيران لا تملك سلاحا جويا قادرا على الردع، أو من جانب منظومات الدفاع الجوي الأرضية.
إسرائيل أعلنت أن الحرب على إيران مستمرة حتى تُحَقِّق أهدافها، واتبعت ذلك بهجوم جوي على مطار تبريز ظهر يوم الجمعة لتأكيد أن العملية العسكرية ضد إيران مستمرة. وعلى العكس من ذلك فإن إيران تحاول إعادة تنظيم هيكل القيادة العسكرية لكل من الجيش والحرس الثوري وقوات خاتم الأنبياء، التي فقدت جميعا قياداتها العليا في الضربة الإسرائيلية الأولى.
الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي هذه المرة لم يأت بجديد يختلف عما حدث في المرتين السابقتين، حيث استخدمت أسراب الطائرات المسيرة، وتم اعتراضها هذه المرة خارج المجال الجوي الإسرائيلي بواسطة شبكة الدفاع الصاروخي التي تديرها القيادة العسكرية الوسطى الأمريكية للشرق الأوسط. وليست لدينا بعد مؤشرات على استخدام الصواريخ في الرد، وهو التهديد الرئيسي الذي تمتلكه إيران و يمكن ان يصيب إسرائيل إصابات مؤلمة، إذا جاء بصواريخ أكثر من تلك التي يستخدمها أنصار الله (الحوثيون)، من حيث العدد والقوة التدميرية والتقدم التكنولوجي. وربما لن تلجأ إيران إلى استخدام أسلحة رد تدميري متعدد الطبقات حتى تتم عملية إعادة بناء الهياكل القيادية للجيش والحرس الثوري وقوات خاتم الأنبياء. ولذلك فإننا نعتقد أن إسرائيل ستركز خلال الثماني والأربعين ساعة القادمة على ضرب القوة الصاروخية وطائرات الدرونز (المسيرة) ضربات حتى تصيبها بالشلل، و هو ما يؤخر أي محاولة للرد يقوم بها القادة الجدد، و حتى يصبح القيام بأي عمل سريع بلا جدوى، أو يحتاج الرد الى عدة اشهر، وربما عدة سنوات لإعادة بناء القوة الصاروخية والطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الجوي.
لقد فقدت إيران فرصة تاريخية لإقامة توازن الردع النووي في الشرق الاوسط. وقد يتعين عليها الآن أن تنتظر، ربما لعقود من الزمن حتى تتمكن من العودة إلى ما كانت عليه قبل 13 يونيو 2025.
منذ بداية حرب غزة قالت إسرائيل إنها تحارب في وقت واحد على سبع جبهات: غزة والضفة الغربية ولبنان وسورية والعراق واليمن وإيران. كان هذا بيانا معلنا على رؤوس الأشهاد، وكانت غزة تقاتل. وما تزال غزة تقاتل إلى اليوم. لكن المعنيين في الجبهات السبع التي أعلنها نتنياهو صراحة، لم يكونوا متأكدين بالقدر الكافي من استهدافهم. وربما اعتقد البعض، باستثناء حكومة أنصار الله في صنعاء، أنهم ليسوا في عجلة من أمرهم للرد على نتنياهو. وتمثلت الترجمة العملية لهذا الموقف في ردود حزب الله على الاعتداءات الإسرائيلية، فكانت الردود محسوبة على مقياس متعارف عليه، رصاصة برصاصة، وقنبلة بقنبلة، وآلية بآلية، وجندي بجندي مع تجنب التصعيد، خصوصا فيما يتعلق بالإصابات البشرية. لم تكن قيادة حزب الله تعلم أنها مخترقة حتى النخاع، وأنها ستكون فريسة سهلة عندما تضربها إسرائيل وحدها. السلطة الفلسطينية في الضفة لا تعنيها حرب غزة إلا بقدر ما يعنيها استخدامها لتجريم سلوك حماس، لكن موقف منظمات كثيرة مستقلة، بما فيها منظمات خارجة من عباءة منظمة فتح اشتبكت مع إسرائيل من منظور دفاعي، سواء في مواجهة الجيش او عنف المستوطنين. سورية ظلت جبهة صامتة، تتحرك فيها اسرائيل بحرية. أما التهديد القادم من العراق فقد تم تحييده بواسطة القيادة الوسطى الأمريكية. واستمرت حكومة صنعاء في عملياتها البعيدة المدى التي استهدفت إيلات وعسقلان وبئر السبع وتل أبيب وحيفا من دون توقف، وسط فشل إسرائيلي فادح. لكن إيران لم تأخذ في اعتبارها أن حرية اسرائيل في العمل ضد المقاومة في غزة من دون تداخل استراتيجي بواسطة الجبهات الأخرى، قد أتاح لها أن تخطط لتصفية خصومها على الجبهات الأخرى بسهولة واحدا بعد الآخر، باستثناء جبهتي غزة واليمن، لأنها اصطادت كل جبهة بمفردها تقريبا (من المنظور الاستراتيجي). لم تحارب إسرائيل فعليا على سبع جبهات في وقت واحد، ولم تحارب الجبهات السبع كلها معركة واحدة موحدة ضد إسرائيل على الرغم من تكرار الحديث عن “مبدأ وحدة الجبهات”، بصرف النظر عن المساعدات التي يتردد أن إيران تقدمها لمساندة كل جبهة بمفردها.
باختصار شديد تبدو الآن كل منطقة الشرق الأوسط مكشوفة تماما لعبث القوة الإسرائيلية، وأن صناع القرار في العواصم العربية سيضعون هذا في حساباتهم عند اتخاذ أي قرار داخلي أو إقليمي أو على الصعيد الدولي. هذا الاستنتاج يعني أن القوة الإسرائيلية ستكون حاضرة، حتى وإن كانت غائبة، في اجتماعات الحكومات العربية أو مجالس الحكام في الدول العربية. وتبقى المقاومة الفلسطينية هي القوة الوحيدة، الحقيقة الوحيدة الباقية، التي يصنع صمودها المعجزات.