رؤي ومقالات

أيمن زين الدين يكتب :السياق الدولى والتداعيات الإقليمية للحرب الإسرائيلية الإيرانية

1. يتعامل الغرب مع حرب إسرائيل ضد إيران بنفس منهج تعامله مع حربها ضد غزة، وهو المنهج القائم على مشاركة إسرائيل هدفها من الحربين وهو كسر شوكة القوى التى تتحدى هيمنة إسرائيل، وتبنى موقفها المعلن (تبنيه هنا لا يعنى تصديقه، وإنما اعتماده كمبرر) من إن إسرائيل تعرضت لتهديد وجودى سواء بعملية 7 أكتوبر أو بتطور البرنامج النووى الإيرانى، ولهذا فهى تقوم بحرب دفاعية، وأن المطلوب فى الحالتين ليس الرد أو التأديب أو الانتقام، وإنما هو الإجهاز التام على التهديد……..
2. بناء على ذلك، فقد وفرت القوى الغربية لإسرائيل، وفى المقدمة منها الولايات المتحدة، الغطاء الدبلوماسى، والدعم التسليحى والمعلوماتى المخابراتى، بل والتدخل العسكرى المباشر (فى التعامل مع الصواريخ الإيرانية تحديداً) لتمكينها من تحقيق أهدافها العسكرية بدون أى عراقيل، لدرجة التقصير فى توفير بعض الذخائر الضرورية لأوكرانيا وإعطاء الأولوية لتلبية احتياجات إسرائيل….
3. بعبارة أخرى، فإن الغرب قال لإسرائيل فى الحالتين إذهبى وانجزى المهمة، وسنوفر لك الغطاء والدعم اللازم، لهذا، فإن أى خلاف حول مواصلة الحرب فى غزة مثلاً، لم يكن حول الهدف، وإنما كان حول ما إذا كان الهدف قد تحقق بالفعل، فى ضوء الاقتناع المتزايد لدى الدول الغربية بأن الهدف تحقق إلى حد بعيد، وأن استمرار حرب غزة يخلو مما يبرر تحمل المزيد من التكاليف المالية والسياسية والإنسانية والعسكرية…..
4. إلا أن هذا لا يعنى أن يد إسرائيل فى مواصلة حربيها فى غزة او مع إيران مطلقة بلا أى حدود، حيث يوجد عنصر ضغط أخر لم يكن فى الحسبان بما يكفى، وهو الوضع الإسرائيلى الداخلى نفسه، فى ضوء التأييد الشعبى شبه الشامل لأهداف الحربين، والتوجه اليمينى الغالم على المجتمع…. فرغم الحماس الشعبى الكبير لحرب غزة فى شهورها الأولى، كان استطالة أمدها، وما ترتب عليها من انعكاسات اقتصادياً واجتماعياً وبشرياً وسياسياً وخارجياً تأثيراً كبيراً فى قدرة المجتمع الاسرائيلى على التحمل: أمور مثل الفشل فى استعادة الاسرى، وقتل عدد منهم على يد الجيش الإسرائيلى، واستمرار قدرة المقاومة على قتل جنود إسرائيليين، وامتداد فترات استدعاء ضباط وجنود الاحتياط وتعطل أعمالهم ومصادر رزقهم وتمزق أسرهم، وتراجع الأداء الاقتصادى، والخلاف المشتعل حول تجنيد المتدينيين فى وقت حرب، وتعقب إسرائيليين قانونيا وقضائياً فى العالم واتساع نطاق الحركات المناهضة لإسرائيل وممارساتها فى الغرب….
5. هذه الأمور كانت قد أصبحت تضغط بشكل عنيف على قدرة إسرائيل على مواصلة الحرب فى غزة، بدرجة عرضت حكومة نتنياهو للسقوط وإجراء انتخابات مبرة، لولا بدء الحرب الجديدة مع إيران، ولا سيما بدايتها القوية الناجحة من وجهة نظر إسرائيل، التى احتوت -إلى حين- هذه الضغوط، ومنحت حكومة إسرائيل مساحة عمل إضافية….
6. إلا أن الصواريخ الإيرانية التى أصابت تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى ليلة 14 يونيو، وما تركته من أثار مباشرة وغير مباشرة على الوضع الداخلى، أظهرت أن المساحة المتاحة للحكومة الإسرائيلية لها حدود ضيقة للغاية، وأن إسرائيل -بما تعانى منه من عوامل هشاشة جوهرية- لن تتحمل تكرار ليال كثيرة كهذه، وأنه ما لم تتمكن حكومة نتنياهو من القضاء على التهديد الصاروخى الإيرانى سريعاً فإن الرأى العام الإسرائيلى لن يتحمل امتداد الحرب طويلاً، وسينقلب بقدر أشد على نتنياهو، وسيكون السبيل الوحيد أمامه هو ايقاف الحرب دون تحقيق الأهداف التى يمكن على أساسها إعلان انتصار إسرائيل….
7. من هنا يأتى الحديث عن احتمال تدخل الولايات المتجدة فى الهجوم على إيران لتجنيب إسرائيل الفشل فى مهمتها، والذى سيكون هزيمة كبرى للمصالح الأمريكية والغربية فى المنطقة، بعد أن اختارت تلك الأخيرة مشاركة اسرائيل هدف كسر شوكة ايران وغيرها ممن يرفع راية التحدى، وبالتالى لم يعد ممكناً أن ينتهى الأمر بهزيمة هذه المحاولة وانتصار خصومهم….
8. المشكلة هى أن تدخل الولايات المتحدة الصريح فى الحرب يعنى أن مصالحها ستصبح هدفاً مشروعاً لإيران، وهو أمر لا يرغب الرئيس الأمريكى ترمب فى أن يتعرض له، ولا يرغب فى مواجهة درجة عدم اليقين المرتبطة بأى عملية عسكرية من هذا النوع….
9. إلا أنه فى حالة فشل إسرائيل فى مهمتها، أو اضطرارها للاعتماد على تدخل مباشر لتتمكن من إنجازها، سيكون ذلك ضربة شديدة لمصداقية إسرائيل مستقبلياً كحليف استراتيجى يمكن للغرب الاعتماد عليه، وسينظر إلى التحولات التى يشهدها المجتمع الإسرائيلى وطبقته السياسية على أنها السبب الجوهرى فى تآكل قدرات وكفاءة إسرائيل وحسن تقديرها للأمور….
10. لا حاجة للقول أن انتصار لإسرائيل فى هذه المعركة هو خسارة كبيرة لمصر وباقى العالم العربى، وإيذان بسنوات عجاف على المنطقة لصالح إسرائيل فى أقبح صورها، وأن الحيلولة دون هذا الانتصار يمثل مصلحة استراتيجية عليا، ومهما كانت تكلفتها فإنها ستظل أهون مقارنة بتكلفة البديل…..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى