رؤي ومقالات

أحمد شوقي يكتب : الردع الحق .. وتجدد الأمل !

مخطيء من يظن أن الردع العقابي الإيراني “الوعد الحق” الذي انطلق عشية الجمعة ١٣ من يونيو رداً علي عملية الأسد الصاعد الاسرائيلية التي انطلقت في الثالثة من فجر نفس اليوم سيكون هو الرد الأخير ،فعلي الرغم مما تكبده كل طرف من الخسائر خلال العمليتين سيبقي لكلاهما حق أخذ المبادرة لكي لا يتكرر الخطأ مرتين ،لذا وجب ان نعلم أن الطرفين مايزال بجعبتهما المزيد من عمليات الشد والرخي والتي قد لا تنتهي مطلقاً علي المدي القريب لإعتبارات متعددة.
▪️▪️▪️
“الوعد الحق ٣” نزل كما الصاعقة بعد تشكك أجهزة الاستخبارات في مقدرة ونوعية وموعد الرد الإيراني علي الضربة الاستباقية الإسرائيلية الموجعة التي انطلقت فجر الجمعة ١٣ من يونيو ٢٠٢٥ ،إلا أن الرد بالفعل كان حاضراً فورياً وقوياً لما اطلق الجيش الإيراني عمليته “الوعد الحق” خلال ساعات قليلة من نفس اليوم مستهدفاً عاصمة الكيان ذاتها بتحديد ١٥٠ هدفاً مؤثراً داخل العاصمة تل أبيب ،لترسل طهران رسائل غضبها المحملة بزخات من الصواريخ البالستية الفرط صوتية من طراز فاتح ١ علي رجمات متتالية بعضها جاء من عرض البحر اطلق بواسطة سلاح الغواصات ،وكان في مقدمة أولوياتها إستهداف أولي لبطاريات منظومة الدفاع الاسرائيلية “القبة الحديدية” تمهيداً لتعطيل قدراتها علي صد الهجمات ومن ثم يتوالي رجم العاصمة الاسرائيلية بشكل رئيس والمدن المحيطة برشقات متتالية سيكون لها تداعيات غير مسبوقة في الأوساط العسكرية والجبهة الداخلية الاسرائيلية وهو الحدث الأكبر الذي تستهدفه طهران والذي سيكون له القدرة علي إخضاع الكيان الاسرائيلي وإجباره علي التخلي عن نزعات الصلف والغرور والغطرسة الكاذبة .
في البداية احتفلت اسرائيل وحلفائها مبكراً بنجاح تخطيطهم للضربة الجوية الاستباقية ودقتها في تحقيق أهدافها علي الأرض غير عابئين بحصيلة ردود الأفعال الإيرانية التي كانت جاهزة رغم نجاح الضربة الاستباقية الاسرائيلية المركزة في النيل من بعض القيادات الهامة بالجيش كرئيس الأركان اللواء محمد باقري ورئيس الحرس الثوري اللواء حسين سلامي ،إلا ان ذلك لم يثنِ طهران عن الثأر لهويتها وإستعادة كرامة جيشها وساساتها فلم يتأخر الرد الوعد الحق سوي لبضع ساعات وحسمت تقاريرها المبدئية تعرض اسرائيل الصغري لحالة تعري غير مسبوقة علي المستويين العسكري والاستخباراتي ،وهو ما يعرض حلم إسرائيل الكبري للضياع وإدخاله لمرحلة ضبابية بعد سقوط أوراق الصلف والغرور وتساقط احلام الفرقاء ونبؤاتهم في جب الوهم العظيم .
الوعد الحق أثبت للجميع أن الحسابات الاسرائيلية كانت خاطئة تماماً ،وأن موازين القوي قد أختلطت وأختلفت هي الأخرى ،خصوصاً بعد حفل الشواء الذي أعدته طهران بالأمس لسكان العاصمة الإسرائيلية ،والذي قض فرحة الإحتفال المبكر لإسرائيل وحلفائها بنجاح عملية “الأسد الصاعد” الخاطفة ،لتخطف القدرات العسكرية علي الجانب الإيراني عصا السبق بعدما سخر البعض وتشكك آخرون من قدوم الرد الايراني على مستوي الأحداث الجارية مؤكداً علي أن الأمر إذا أستمر علي نفس الوتيرة لأسابيع سيكون ذلك أولي الخطوات علي طريق الهزيمة والإنكسار المبين للكيان .
الرد الإيراني “الوعد الحق” أجبر بنيامين نتنياهو علي التخلي عن غطرسته التي أبداها بعد الضربة الجوية الأولي التي وجّهت لإيران ،لما أعرب عن تحقق حلمه وحلم اسرائيل أخيراً بإخضاع إيران وسحبها جبراً صوب الطاولة للتفاوض علي شرف برنامجها النووي وفرض شروطه ،معتبراً انه بذلك يمنح طهران الفرصة لإنهاء الحرب إذا قامت بالتوقيع على الإتفاق الذي سيقضي بتدمير حلمها النووي !
ليختلف منطقه تماماً عشية نفس اليوم بعد الهجمات الإيرانية التي وصفت بأنها لم تحدث للكيان منذ تأسيسه ،ويخرج ليلة الهجوم ليقلّب الشعب الإيراني على حكومته ونظامه السياسي معرباً عن أن اسرائيل لاتحارب الشعب الإيراني الصديق وعلى الشعب ان ينقلب على حكومته !
▪️▪️▪️
في جميع الأحوال لا يستطيع أحد أن يوصم طهران – حتي الآن – بالخطأ أو حتّي مجرد القاء اللوم علي الجانب الإيراني ،ذلك لأن الكيان الإسرائيلي وجيشه وطيرانه ومسيراته واستخباراته وجواسيسه الذين زرعهم لسنوات داخل إيران كان هو النظام الباديء بالتدخل لإشباع رغباته المستدامة والتاريخية في إزكاء نيران الحروب ،فقدم بغروره زمام الشرعية لطهران في هذه الحرب التي بدأها بإعتداءه علي السيادة السياسية وعلي الأجواء الإيرانية والتراب والأراضي التي لا تتقاسم اسرائيل (الصغري) فيها مع إيران أي حدود ولا أجواء دولية أو مياه إقليمية مشتركة ،لذا فالرد الإيراني جاء مبرراً ومنطقياً وطبيعياً من دولة تمتلك سيادة سياسية وقدرات عسكرية وتسليحية بحجم جمهورية إيران الإسلامية .
ومجمل القول أن الهجوم الإيراني المرمز له (بالوعد الحق ) كشف عن الأوهام الغربية المستندة علي تصوير إسرائيل كدولة عظمى في الإقليم ،بعدما استطاعت إيران مواجهتها ومن يدعموها بمفردها ،وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أخطأ بمنحه الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بهذه المغامرة الغير محسوبة ،وأن التاريخ سيقف طويلا بالبحث والدرس للاسباب التي أدت إلي سقوط ورقة التوت عن جسد الكيان وانهيار رصيده من الستر الإعلامي الذي قض الهجوم الإيراني الأخير مصداقيته ،كاشفاً عن ضعف قدرات إسرائيل الاستراتيجية وهشاشة جبهتها الداخلية ،كما أظهر جيشها ومنظوماتها الدفاعية الرقمية بمسمياتها العريضة ووضعها في مكانتها الحقيقية والواقعية في كونها غير قادرة على توفير الحماية للمدن ولا الأمان المدنيين ، كما كان الوعد الحق كاشفاً لقدرات عميقة وخيارات متنوعة ذلك بما أظهرته طهران من المقدرة علي تلقي الضربات دون ترنّح وارتباك،ومن ثم السيطرة علي الوضع رغم خسائرها من تلقي الضربة الاستباقية (أولاً) ،بل كان لها التأثير الإيجابي علي سماء الميدان وتكبيد العمق الإسرائيلي خسائر غير مسبوقة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى