أشرف الصباغ يكتب :أسوأ ما يمكن أن يحدث الآن

أسوأ ما يمكن أن يحدث الآن، هو أن تطلب المؤسستان السياسية والدبلوماسية الإيرانيتان فتح قنوات مع الولايات المتحدة عبر وسطاء خليجيين، تحديدا، من أجل وقف إطلاق النار الفوري من جانب إسرائيل، في وقت أعلن فيه الحرس الثوري الإيراني أنه قادر على مواصلة الحرب ضد إسرائيل لفترة طويلة.
وإذا ضَحَّ خبر توجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى دول خليجية بطلب التوسط لدى الولايات المتحدة من أجل وقف إطلاق النار من جانب إسرائيل بشكل فوري، فإن هناك بالفعل تناقضات حادة بين المؤسستين السياسية والعسكرية أكثر منها تنسيقا. إذا انسحبت طهران من جولة الأمس من المفاوضات التي كان من المقرر إجراؤها مع الولايات المتحدة في العاصمة العمانية مسقط، احتجاجا على القصف الإسرائيلي. وهذه الخطوة، في تقديرنا، كانت غير موفقة على الإطلاق من جانب الدبلوماسية الإيرانية، لأنه من الممكن أن تسير المفاوضات بالتوازي والتزامن مع العمليات العسكرية. لكن يبدو أن المؤسسة العسكرية في إيران لديها من النفوذ ما يسمح لها بالضغط على بقية المؤسسات.
غير أن اللافت، هو أن روسيا عرضت على الرئيس ترامب خدماتها في الوساطة بين إيران وإسرائيل. وذلك عقب مكالمة هاتفية بين بوتين وترامب يوم الجمعة الماضية. لكن ترامب اكتفى بأن قال إنه “منفتح على المقترح الروسي”.
وفي اتصاله بالمرشد الأعلى بعد ذلك، أبلغ بوتين رسائل غير مطمئنة للمرشد الأعلى الإيراني. وفي الوقت نفسه، لم يجد مقترح بوتين أي رد فعل إيجابي من جانب البيت الأبيض. واليوم، ألغت واشنطن الجولة الثالثة من المفاوضات الثنائية مع موسكو بشأن تحسين العلاقات الدبلوماسية وإعادة تشغيل الخطوط الجوية المباشرة بين روسيا والولايات المتحدة.
واليوم أيضا، أظهرت موسكو على مستوى الكرملين ووزارة الخارجية لهجة أكثر حدة تجاه إسرائيل، متفادية تماما ذكر الولايات المتحدة، ومتجاهلة تماما الدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن إلى تل أبيب. واللهجة الروسية الحادة تجاوزت الشجب والإدانة إلى التحذير من ضرب البنية التحتية للطاقة النووية، وإمكانية الإضرار في المستقبل بمفاعل بوشهر النووي. بل تخلت موسكو في لهجتها عن “دور الوسيط المحتمل” ووجهت إدانات حادة لـ “التصرفات الإسرائيلية”. فضلا عن الحديث عن الإجلاء الجزئي لمواطنيها من إيران وإسرائيل على حد سواء، وذلك في وقت تتحرك فيه أعداد هائلة من القاذفات الأمريكية نحو الشرق الأوسط، وقيام بريطانيا بإعادة نشر وتحريك قواتها في المنطقة.
إن تحرك إيران، إذا صحت الأنباء، نحو طلب وقف إطلاق النار مقابل إبداء مرونة في المفاوضات حول ملفها النووي، قد يثير الكثير من التناقضات بين المؤسستين السياسية والدبلوماسية وبين المؤسسة العسكرية وفي مركزها الحرس الثوري. غير أن الأخطر، حتى لو استجابت إسرائيل والولايات المتحدة، هو أن إيران ستعود إلى المفاوضات (التي انسحبت منها بالأمس) تحت ضغط الوجود العسكري الأمريكي والبريطاني المكثف، وتحت ضغط سلاح الجو الإسرائيلي الذي تقول تل أبيب إنه مسيطر تقريبا على الأجواء الإيرانية في الوقت الراهن.
من الواضح أن الأمور تسير إلى الأمام بدوء أي بطء. وربما بدون نية لوقف إطلاق النار دون تحقيق أهداف معينة بالنسبة للجانب الإسرائيلي. والسؤال هنا: لماذا تتوقف إسرائيل عن عملياتها العسكرية في حال إذا كانت متفوقة- كما تقول تل أبيب- في العمليات العسكرية ومسيطرة على الأجواء الإيرانية؟ وما هو المقابل “المضمون” لإسرائيل وللويلات المتحدة لوقف إطلاق النار؟ ولماذا تطلب إيران الآن وقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات مع إبداء المرونة من جانبها، إذا كانت قادرة على مواصلة الحرب لفترة طويلة، كما أعلن الحرس الثوري اليوم الاثنين؟
أما الجانب الغامض في هذا المشهد، هو وقف واشنطن المفاوضات الروسية الأمريكية بشأن تحسين العلاقات الثنائية، وعدم اهتمام ترامب بمقترح بوتين بشأن الوساطة بين إيران وإسرائيل؟