شرح ونقد قصيدة “غيمةٌ حمراء” للشاعر العراقي جليل حيدر …..بقلم حيدر البرهان

**مقدمة عن النص والسياق**
تنتمي القصيدة إلى ديوان “طائر الشاكو ماكو” (1992)، وتُجسد نموذجًا للشعر المناهض الذي يحمل رموزًا مظلمة تنتقد القمع والخراب. يعكس النص رؤية تشاؤمية للسلطة المدمرة عبر صور متخيلة قاسية، ممزوجةً بأسطرة الألم .
النص الشعري:
غيمةٌ حمراء
نصٌ مناهض
هو الذي قاد سلالة الخطأ الواضحةِ
إلى سرّية الألم
في القمر الذي ترحلُ عنه النساءُ باكياتٍ
هو الذي ينحني لركبةٍ جريحةٍ
بعد تنهّدةٍ ونسيان
يترك وراءه ممرّاً ملوّثاً بالأرواحِ
حقلاً مسيجّاً بالأنهار الضائعة والغزلان.
هو باني الخرابَ الكبير حول شجاعة الأعالي
قبل أن تنشرَ الجريمةُ إشاعتها
مع هروب اليمام، وتكون الكلماتُ داكنةً كالبعُد.
يصافحهُ أيا عند مجمع القتل
بلمسةٍ مدمّاةٍ لمديةٍ مثلّمةٍ على الأنامل
إذ يرقدُ خوفنا هناك مع انهيارهِ
وهو يبني سفينةً
لغرقنا الفاتن.
من ديوان” طائر الشاكو ماكو” دار الجمل 1992
**الشرح التفصيلي**
1. **”هُوَ الَّذِي قَادَ سِلَالَةَ الخَطَأِ الوَاضِحَةِ / إِلَى سِرِّيَّةِ الأَلَمِ”**
– **تحليل الصورة**: “هُوَ” (ضمير غامض) يرمز للسلطة القمعية. “سِلَالَةُ الخَطَأِ” تشير إلى سلالة بشرية فاسدة أو نظام متوارث. تحويل الألم إلى “سرّية” يلمح إلى كبته وإخفاءه.
– **الإيقاع**: الفعل “قَادَ” (ماضٍ مكسور) يعكس قسوة التوجيه.
2. **”فِي القَمَرِ الَّذِي تَرْحَلُ عَنْهُ النِّسَاءُ بَاكِيَاتٍ”**
– **الرمز**: القمر (ملاذ طبيعي) يُنزع منه السلام ببكاء النساء، رمز الضياع والتهجير. الصورة توحي باغتراب الأنثى عن موطنها الآمن .
3. **”هُوَ الَّذِي يَنْحَنِي لِرُكْبَةٍ جَرِيحَةٍ / بَعْدَ تَنَهُّدَةٍ وَنِسْيَانٍ”**
– **التناقض**: الانحناء (رمز الخضوع) لـ”رُكْبَةٍ جَرِيحَةٍ” يكشف زيف السلطة. “تَنَهُّدَةٌ وَنِسْيَانٌ” يُظهران استهانتها بمعاناة الضحايا.
4. **”يَتْرُكُ وَرَاءَهُ مَمَرّاً مُلَوَّثاً بِالأَرْوَاحِ / حَقْلاً مُسَيَّجاً بِالأَنْهَارِ الضَّائِعَةِ وَالغِزْلَانِ”**
– **الصورة البيئية**: الممر “مُلَوَّثٌ” (نعت مشدد) يرمز لتدنيس الحياة. الحقل المسيج بالأنهار الضائعة يشي باغتراب الطبيعة وتقييد حريتها .
5. **”هُوَ بَانِي الخَرَابِ الكَبِيرِ حَوْلَ شَجَاعَةِ الأَعَالِي”**
– **المفارقة**: الجمع بين “بَانِي الخَرَابِ” (فاعل مدمر) و”شَجَاعَةِ الأَعَالِي” (قيم سامية) يكشف تناقض السلطة التي تدمر ما تزعم بناءه.
6. **”مَعَ هُرُوبِ اليَمَامِ، وَتَكُونُ الكَلِمَاتُ دَاكِنَةً كَالْبُعْدِ”**
– **الرمز**: هروب اليمام (السلام) وظلمات الكلمات يعكسان غياب الأمل وانزياح اللغة عن التواصل .
7. **”يُصَافِحُهُ أَيَّا عِنْدَ مَجْمَعِ القَتْلِ / بِلَمْسَةٍ مُدْمَاةٍ لِمُدِيَّةٍ مُثَلَّمَةٍ”**
– **العنف المادي**: “لَمْسَةٌ مُدْمَاةٌ” (نعت مشدد) تصف المصافحة الدموية، و”مُدِيَّةٌ مُثَلَّمَةٌ” ترمز للأداة القاتلة المتكررة الاستخدام.
8. **”إِذْ يَرْقُدُ خَوْفُنَا هُنَاكَ مَعَ انْهِيَارِهِ / وَهُوَ يَبْنِي سَفِينَةً / لِغَرَقِنَا الفَاتِنِ”**
– **النهاية السوداوية**: بناء “سَفِينَةً” للغرق يجسد سخرية القدر. “غَرَقِنَا الفَاتِنِ” (نعت مبالغ) يضفي جمالًا زائفًا على الموت، مكمّلاً دائرة الخراب .
—
**النقد التحليلي**
**أولاً: البنية الفنية**
| **العنصر** | **الوظيفة** |
|——————|—————————————————————————–|
| **الضمير “هو”** | كيان مجهول يرمز للطغاة أو الأنظمة المستبدة، يجرد الشر من هوية محددة . |
| **الصور المتضادة** | الجمع بين الجمال (“الغزلان”) والدمار (“الخراب”) يكشف تناقض الوجود تحت القمع. |
| **الإيقاع** | الجمل القصيرة المتقطعة (“بعد تنهّدةٍ ونسيان”) تُحاكي أنفاس اليأس. |
**ثانيًا: الرؤية المناهضة**
– **تفكيك خطاب السلطة**: النص يكشف زيف القوة عبر تعريتها (“ينحني لركبةٍ جريحةٍ”)، مناهضًا التقديس الأعمى .
– **تشييء الضحايا**: تحويل البشر إلى “أرواحٍ” و”خوفٍ يرقد” يسلبهم إنسانيتهم، ملمحًا لتهميش المقهورين.
– **الطبيعة الشاهدة**: الأنهار الضائعة والغزلان المسيجة تصبح شواهد على عدوانية “هو” .
**ثالثًا: السياق التاريخي**
– **ديوان 1992**: صدر بعد حرب الخليج، حيث يعكس “الخراب الكبير” دمار الحرب وتلوث الأوطان (“ممرّاً ملوّثاً”) .
– **صوت المرأة الباكي**: يُقرأ في سياق الحركات النسوية العربية المبكرة التي نددت بتهميش المرأة (“ترحلُ عنه النساءُ باكياتٍ”) .
**رابعًا: الثغرات الفنية**
– **الغموض المفرط**: كثافة الرموز (“طائر الشاكو ماكو”) قد تُبعد القارئ عن الرسالة.
– **السوداوية المطلقة**: افتقاد الأمل يُضعف بعد المقاومة في النص.
—
**الخاتمة: النص كمرثية حداثية**
“غيمة حمراء” قصيدة ترسم خرابًا وجوديًّا عبر لغة شعرية مكثفة، ترفض التسطيح بتحويل الألم إلى أسطورة. رغم غموضها، تظل وثيقةً ضد النسيان، حيث يُحيل “الغرق الفاتن” جماليات الموت إلى احتجاج على سلطة تبني السفن لاغراق البشر .
#العراق #متابعات #إشارة #متابعين #اشاره #متابعيني