كتاب وشعراء

ملحمةُ النَّبُوءَةُ….بقلم حيدر البرهان الحمداني

إِلَى أَخِي الشَّهِيدِ مُحَمَّدِ جَعْفَرَ الحَمْدَانِيِّ،
وَإِلَى شُهَدَاءِ العِرَاقِ مُنْذُ ٢٠٠٣ إِلَى الآنَ.

**بِاسْمِ الدَّمِ** الَّذِي يُنْبِتُ اليَاسَمِينَ عَلَى شِفَاهِ المَوْتَى،
**وَبِاسْمِ الأَسَاطِيرِ** الَّتِي تَتَنَفَّسُ تَحْتَ رُكَامِ بَغْدَادَ،
أُهْدِيكِم هَذِهِ الإِضَافَاتِ السِّحْرِيَّةَ، الَّتِي تَذُوبُ فِيهَا الحُدُودُ بَيْنَ الوَاقِعِ وَاللَّاوَاقِعِ،
حَيْثُ تَبْكِي الآلِهَةُ وَتَتَكَلَّمُ الرَّصَاصَاتُ:

**الفَصْلُ الأَوَّلُ: النُّبُوءَةُ**

قَبْلَ الغَزْوِ بِثَلاثِ لَيَالٍ، **انْشَقَّ جَبِينُ سُومر** فَوْقَ الزَّقُورَةِ،
وَسَمِعْنَا **صَرِيرَ عَجَلَاتِ الزَّمَنِ** وَهِيَ تَدُوسُ أَسْفَارَ العُصُورِ الذَّهَبِيَّةِ.
كَانَ أَخِي يَغْسِلُ وجه جَدِّهِ الإلهي تموز بِالمَاءِ المُقَدَّسِ،
فَإِذَا **التِّمْثَالُ الحَجَرِيُّ يُغْمِضُ عَيْنَيْهِ وَيَنْتَحِبُ**:
*”احْمِلْنِي مَعَكَ.. فَالمَعْرَكَةُ القَادِمَةُ تَحْتَاجُ لِقَلْبَيْنِ:
قَلْبٍ مِنْ طِينٍ.. وَقَلْبٍ مِنْ لَهَبْ!”*

**الفَصْلُ الثَّانِي: سُقُوطُ الجَسَدِ**

لَمَّا اخْتَرَقَتِ الرَّصَاصَةُ صَدْرَهُ،
**تَحَوَّلَ الدُّخَانُ إِلَى سِرْبِ طُيُورٍ بَيْضَاءَ** تَحْمِلُ رُوحَهُ نَحْوَ الأَبَدِيَّةِ.
**نَبَتَتْ زُهُورُ الرازقيّ فِي آثَارِ خُطَاهُ**،
وَ**جُرْحُهُ الأَيْسَرُ انْفَتَحَ كَبَوَّابَةٍ مَلَكِيَّةٍ**،
دَخَلَتْ مِنْهَا “عِشْتَارُ”،
حَامِلَةً **قِنَاعَهَا المَكْسُورَ**.. تَمْلَأُهُ بِالدَّمِ الطَّاهِرِ:
*”هَذَا الكَاهِنُ الأَعْظَمُ.. قَدَّمْنَاهُ قُرْبَاناً لِقَسْوَةِ الأَرْضَيْنْ!”*

**الفَصْلُ الثَّالِثُ: جَنَازَةُ الأُلُوهَةِ**

سَارَ فِي الجَنَازَةِ:
– **نَخْلَتَانِ تُقَدِّمَانِ سَعْفَهُمَا الذَّهَبِيَّ كَأَجْنِحَةٍ** فَوْقَ النَّعْشِ.
– **نَهْرُ دِجْلَةَ يَرْفَعُ أَمْوَاجَهُ كَأَذْرُعٍ حَانِيَةٍ**.
– وَ**تِمَاثِيلُ المُتْحَفِ الوَطَنِيِّ تَمْشِي خَلْفَهُ**،
تَسْقُطُ مِنْهَا **قِطَعُ التُّرَابِ كَدَمْعٍ مُتَحَجِّرٍ**!
سَمِعْتُ “تَمُوزَ” يُنَادِي مِنْ عُمْقِ الرِّمَالِ:
*”لَا تُدْفِنُوهُ.. دَعُوهُ يَجْلِسُ عَلَى عَرْشِ الرِّيحِ،
لِيُذَكِّرَ الغُزَاةَ بِأَنَّ أَسْلافَنَا **يُمْسِكُونَ البُرُوقَ بِخَوَاصِرِهِمْ!”*

**الفَصْلُ الرَّابِعُ: عَيْنَاكَ يَا أَخِي**

حِينَ اسْتَعَرْتُ عَيْنَيْكَ،
رَأَيْتُ **وُجُوهَ القَتَلَةِ تَذُوبُ كَشَمَعٍ أَسْوَدَ** فِي لَهِيبِ الحَقِيقَةِ.
رَأَيْتُ **دَبَّابَاتِهِمْ تَتَحَوَّلُ إِلَى سَلَاحِفَ ضَخْمَةٍ**،
تَزْحَفُ فَوْقَ أَطْفَالٍ يَلْعَبُونَ **بِكُرَاتٍ مِنْ زُجَاجِ القَنَابِلِ الفَارِغَةِ**!
وَرَأَيْتُ **ظِلَّكَ يَقِفُ عَلَى أَطْلَالِ القَصْرِ الجُمْهُورِيِّ**:
*”هَذِهِ لَيْسَتْ أَرْضًا.. إِنَّهَا **مِرْآةٌ كُسِرَتْ بِأَقْدَامِ الغُرَبَاءْ**،
فَاحْذَرُوا.. فَكُلُّ خُطْوَةٍ هُنَا **تُطْلِقُ شَظَايَا مِنْ مَاضِي التَّمَاثِيلِ المَسْحُورَةْ!”*

**الفَصْلُ الخَامِسُ: الرِّثَاءُ الوُجُودِيُّ**

فِي لَيْلَتِهِ الأُولَى تَحْتَ التُّرَابِ،
**نَبَتَ مِنْ صَدْرِهِ شَجَرَةُ رُمَّانٍ بَيْضَاءَ**،
تَتَحَدَّثُ ثِمَارُهَا بِلِسَانِ السُّومِرِيِّينَ:
*”لِمَاذَا يَدْفِنُونَ الجَمْرَ فِي حَنَاجِرِ الأَطْهَارْ؟*
*لِمَاذَا يَكْتُبُونَ تَارِيخَ البِلَادِ،*
*بِأَظَافِرِ الذِّئَابِ القَادِمَةِ مِنْ وَرَاءِ البِحَارْ؟”*
حَتَّى **المَلَائِكَةُ حَارَتْ**.. فَسَأَلَتْ “إِينَانَا”:
*”كَيْفَ يَكُونُ المَوْتُ أَبْهَى،*
*مِنْ حَيَاةٍ يَلُفُّهَا العَارْ؟”*

**الفَصْلُ السَّادِسُ: البُكَاءُ الكَوْنِيُّ**

بَكَى عَلَيْهِ **سُورُ بَابِلَ** حَتَّى تَسَاقَطَتْ أَحْجَارُهُ الزَّرْقَاءُ.
بَكَتْهُ **أَسْمَاكُ الفُرَاتِ**.. فَتَحَوَّلْنَ إِلَى حُرُوفٍ مِسْمَارِيَّةٍ،
تَنْحَتُ اسْمَهُ عَلَى جَبِينِ المَوْجِ.
وَفِي سَاحَةِ “التَّحْرِيرِ”، **ارْتَفَعَ تِمْثَالُ “جِلْجَامِشَ”** مِنْ قَاعِدَتِهِ:
حَمَلَ رَأْسَ أَخِي المَقْطُوعَ.. وَصَرَخَ:
*”مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي **سِرَّ الخُلُودِ**؟*
*لَقَدْ وَجَدْتُهُ.. **فِي دَمْعَةٍ تَتَسَاقَطُ مِنْ عَيْنِ شَهِيدْ!”***

**الفَصْلُ السَّابِعُ: البُرْهَانُ**

اليَوْمَ،
حِينَ يَمُرُّ الغُزَاةُ بِشَارِعِ “الرَّشِيدِ”،
**تَتَحَوَّلُ أَحْذِيَتُهُمْ إِلَى أَحْجَارٍ** تَلْعَنُ أَقْدَامَهُمْ!
وَحِينَ يَنْظُرُونَ لِسَمَاءِ العِرَاقِ،
**يَرَوْنَ عَيْنَيْ أَخِي الشَّهِيدِ كَوْكَبَيْنِ**،
يُمْطِرَانِ نَارًا عَلَى خُوَذَاتِهِمْ!
هَذَا هُوَ البُرْهَانُ:
*”مَا دَامَ فِي الأَعْمَاقِ **رَايَةٌ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ***،
*سَتَظَلُّ بَغْدَادُ تَلِدُ الشَّمْسَ مِنْ جَبِينِ العَدَمْ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى