كتاب وشعراء

نظرة هجر ….قصة قصيرة بقلم محمد الصباغ

نظرت إليّ نظرآت فهمت معناها من مرات هجري السابقة عن مرات حبي السابقة ، حين يحدث اللقاء الأخير الذي به تنتهي العلاقة الحميمة ؛ لحساب علاقة الصداقة الفاترة ، أو لحساب ميلاد رحلة الهجر المفارقة ، والتي تعلن نشوء بحر واسع فاصل وجبل عالي حاجب في نهاية البحر المباعد ، والذي هو المنتهى في مسار السير ومسار الرؤية المتفحصة ، التي تخطو وتمرق من ثنايا حاجز غير مرتفع يفصل بيني وبين الهاجرة ، يسمح فقط بالرؤية العابرة ، وفهم المسار الذي سيكون ، وليس من قوة أو رغبة لتغييره !! .
نظرت هى ، ففجرت كل ما كان منسياً فيّ ، وما كان داخلاً في أعماق الأعماق مني ، يقارب قاع الميلاد ، وما لا أود له تذكر ، فقد كان مؤلماً حتى أنه غاص في الأعماق من أعماقي ، وصار هو الأساس لكل بنياني ، وصار هو الأساس لأدوار حزني المتكررة ؛ التي يعلوها جسدي وروحي وحياتي الخواء الباقية .
نظرت عميقاً وثبتت عيناها تنقب فيّ ، وتبحث عن الأحزان الأثرية والأحزان المتحجرة وقالت :
— ” لا أنكر فضلك في حياتي ؛ كأستاذ وعشيق ، ويكفي أنك أنت الوحيد ، ولا أحد غيرك ، هو الذي فتح ليّ طريق الخروج إلى الدنيا ، حيث شئت أنت أن تكون دنيايا ، فصارت فعلا دنياي ، وصرت أنا المختارة وكأني فعلاً قد اخترت ، وقد كان اختيارك . وصرت أنت معلمي الباقي وإن رحلت وإن مت وإن هجرت ، صرت أنت حاضراً أو غائباً ، من أعلمني بإرشادات الطريق إذا ما أردت الخروج والسير بعيداً عن ثباتي ، والولوج في حرية إلى الحياة ؛ التي كانت محجوبة قبلك ، وكنت أرآها عبر ضباب ، بينما كانت هى الحياة ؛ كل الحياة وهى دنيتي !! ” .
– هل انتهيتي ؟! وقلتي ما حضرتي لقوله ، أم أن الدراما في الخاتمة ؟! .
— ” دعني أكمل ، فما قلت غير بعض الحقيقة مما صنعت أنت ، بتجرد وبلا مقابل ، إلا ما أعطيتك مني محبة وعن رغبة فيك ، لا عن رغبة منك في أكلي ؛ أكل الأنثى التي فيّ ، كنت متنزهاً عن الافتراس في أكل قطة عابرة .. دمت جميلاً قوياً ، تنتقي ما تأكل بعناية ؟! ” .
– تعلمين صدقي في حبك وإن مل أحدنا الآخر في لحظات عابرة ، وهذا من طبائع البشر ، ونحن مازلنا بشر ، نعيش حياتنا الأولى وقد جذبنا لبعضنا جاذب الأشياء لبعضها ولاصق الكائنات بمصائرها .
— ” انتظر ،، ما قلت أنت إلا الحقيقة ولكني أريد أن أكمل : الحقيقة فعلاً أنك قد علمتني الحرية في الحياة ، وعليك الآن أن تحترم حريتي في أنني أريد أن أنفصل عنك ، وأنفصل منك ، وأن أتحرر منك أنت أيضاً ، ومما صنعت فيّ ؛ أريد أن أكون أنا أخرى جديدة حرة تماماً وأخيراً ،، التحرر منك هو وحده دليل حريتي الذي أحتاجه والذي أريد أن ألمسه في يدي وأنا أنطلق حرة في الحياة باختياراتي أنا ، مهما أخطأت فيها أو تألمت منها ؟! “.
” أعرف أنك سوف تحترم هذا بطبيعتك ، التي أشهد بأنك طوال معرفتي بك ؛ لم تكن متناقضاً أو كاذباً ، أو محتالاً ” .
– عليّ أن أسلم لك بما ترغبين من هجر ، دون تقديم أي أسباب لتفسير ذلك ليّ ، يكفي فقط التصريح بهذا ، وعليّ أن أطيع فوراً ، لأن هذا الطوع لك الآن ، هو الدليل الوحيد ، أني قد نجحت معك ، ولم أكن مجحفاً لك في علاقتنا ، ولم أكن أنانياً ولن أكون ” .
” لا يشينني أني كنت مرحلة في حياتك ، يكفيكي مني ما حصلت ، ويكفيني منك ما عشت ، وأنت الآن معك مفتاح طريق الخروج ، وخريطته ، وكيفية الآمان فيه ، والآمان من مفاجآته ” .
وقفا ينظران لبعضهما البعض ، في صمت ، وفي ارتباك ، إلى أن تقوم هى بخطوتها الحرة المتحررة ، التي فيها حريتها وفيها شخصيتها الجديدة التي تريدها ، وتريد أن تعيشها .
لكنها لم تتحرك ، بعد أن تم المشهد بينهما ، حين كان ينبغي لها أن تنطلق ، فقط نظرت إليه نظرات عمق تتأمل شيئاً فيه لم تكن قد رأته من قبل أو عرفته فيه ، وواصلت التحديق فيه ، لم تكن نظرات الهاجرة الحاضرة ، ولا نظرات الهاجرات السابقات .
هو لم يدعوها بعدها للانتظار ، ولم يدعوها للخروج ،، فقط نظر إليها في ثباتها ؛ نظرات جد حائرة ، يُمت حيرتها في عينيه ولا تخرج لها !! .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى