محمد عبد اللاه يكتب :تعليم مجاني حضرتك

منذ أسابيع جلست في فرع أحد البنوك المصرية الكبري أنتظر صرف شيك لي.
تتحدث المذيعة الداخلية اللغة الفصحى، طبعا من خلال شريط مسجل، وهي تعلن رقم العميل الذي يتعين عليه التوجه إلى شباك صرف تعلن رقمه أيضا.
في كل مرة تخطئ المذيعة في النحو. وليت من كلفها بتسجيل الأرقام قدم لها عبارات عامية. هنا أنت لا تشعر بجروح في سمعك، لأن العامية لغة حياة في مصر، حتى إن لم تكن لغة حضارة.
بعد أن صرفت قيمة الشيك قابلت نائب رئيس الفرع لأتكلم معه فقال وهو يضحك:
ـ تعليم مجاني حضرتك.
لم أرد عليه، ولم أشأ أن أجادله، لأنه بدا لي مستهينا بالأمر.
انصرفت وأنا أقول لنفسي:
ـ مش تعليم مجاني. دا تعليم مغشوش. تعليم فاسد.
اليوم تأكدت مما جال بخاطري في ذلك اليوم القريب.
قرأت منشورا قصيرا لامرأة تحمل درجة الدكتوراه به الأخطاء التالية رغم أنها كتبته بالعامية:
ـ نجاح صاحق (طبعا.. نجاح ساحق)
ـ كل العاده (كالعادة)
ـ فعلان (فعلا)
ـ ولاكن (ولكن)
ـ القوبعه (القبعة)
ـ مقرصين كل وقتهم وجهدهم (مكرسين كل وقتهم وجهدهم)
ـ اللى بيتعامل معاكم بيحث (اللى بيتعامل معاكم بيحس)
ـ ويتغير الحاله المزاجيه ٣٦٦درجه (ويتغير الحالة المزاجية ٣٦٠ درجة)
ـ لااجابيه (الإيجابية)
فكيف قدمت هذه المرأة نفسها في صفحتها على فيسبوك؟ سأضع الكلمة الصحيحة بين قوسين.
ـ عضو النقابه (النقابة) العاملين بالمحافظة والاحياء (الأحياء). أعتقد أنها تقصد النقابة العامة للعاملين بالمحافظة والأحياء.
ـ ‎مفوض عام لتنسقيه (لتنسيقية) شباب اعلام (إعلام) الوعى (الوعي) للتواصل الحكومى (الحكومي) ببورسعيد.
ـ التحاقى (التحاقي) بواظيفه (بوظيفة) سفيره (سفيرة) النوايه (النوايا) الحسنه (الحسنة) والسلام الدولى (الدولي).
ـ حاصله (حاصلة) على دكتوراه فى اداراه (إدارة) الازمات (الأزمات) والدعم الاستراتيجي.
ـ عضو هيئه (هيئة) مكتب ورئس (ورئيس) لجنه (لجنة) التنميه (التنمية) المحليه (المحلية) حزب العب (الشعب) الجمهورى (الجمهوري) امانة (أمانة) الزهور.
ـ مدريه (مديرية) العلاقات العامه (العامة) والاعلام (والإعلام) بجمعيه (بجمعية) الباعه (الباعة) الجائلين ببورسعيد.
ـ مديره (مديرة) العلاقات العامه (العامة) والاعلام (والإعلام) وهييه (وهيئة) المكتب بجمعيه (بجمعية) الباعه (الباعة) الجائلين ببورسعيد.
ـ مديره (مديرة) العلاقات العامه (العامة) بحى الزهور بورسعيد.
ـ كلية تجارة جامعة عين شمس.
وفي الختام أقول: هذا هو التعليم الفاشل، والفاسد، والمغشوش، والغشاش. ليبق هذا التعليم في حياتنا إذا كنا نريد مزيدا من الهدم والسقوط.
خلاف ذلك، اعمدوا إلى التعليم الجيد مهما تكن التكاليف.
(الصورتان للدكتور محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني والدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي)
(الرجاء تجنب التجاوز في التعليقات)