د. فيروز الولي تكتب:عنوان: “اليمني الذي لا يريد شيئًا… فقط أن يُعامل كإنسان!”

حين تسأل مواطنًا يمنيًا بسيطًا: “ما الذي تتمناه؟”، لا يقول لك: “أريد أن أكون وزيرًا”، ولا “أحلم أن أكون رئيس جمهورية”، ولا حتى “أريد شركة نفط”. يقول لك ببساطة مخيفة:
“أريد كهرباء، ماء، أمان، وعلبة فول بسعر أمس.”
تخيل! في زمن تهافت الشعوب على الذكاء الاصطناعي، والميتافيرس، وتذاكر السفر إلى المريخ، ما زال اليمني يبحث عن جالون ماء لا تصيبه الرصاصات الطائشة في الطريق.
الفرق بين المواطن الخليجي واليمني، هو أن الأول يعيش في دولة فيها حكومة، والثاني يعيش في حكومة ليس فيها دولة. والفرق هنا ليس فلسفيًا، بل حرفي جدًا.
الشعب الذي أكل الصمت
يقال إن “الصمت علامة الرضا”، لكن في اليمن، الصمت علامة على سوء التغذية السياسية والاجتماعية.
الصمت هنا ليس هدوءًا، بل قنبلة موقوتة تنضج على نار المهانة، ويُضاف إليها يوميًا رشة من غلاء الأسعار، وقطرات من انعدام الرؤية، وملعقة من القهر المتوارث، ليخرج إلينا بركان بحجم وطن، مستعد لابتلاع الفاسدين والتابعين والمشايخ المتكاثرين.
من يحكم اليمن؟ الجميع… ولا أحد
سؤال بريء: من يحكم اليمن؟
الإجابة المعروفة: “كل الأطراف”،
والإجابة الدقيقة: “ولا طرف واحد يفعل ذلك فعلًا!”
فالحاكم إما في الخارج، أو في الداخل لكنه لا يخرج، أو موجود لكن “مبرمج على الرد الآلي”، أو يسكن في تلفزيون لا يلتقطه أحد.
أما المواطن، فهو يتبع ١٧ جهة أمنية، و٣٢ جهة غير أمنية، و٤٧ حزبًا سياسيًا، لكنه في النهاية لا يجد من يغيّر له لمبة الشارع.
منصب؟ لا شكرًا، فقط أرغب في النوم
اليمني لا يريد منصبًا. المنصب في اليمن مثل الشاحنة التي تحمل مساعدات وتُنهب في الطريق.
كل من جلس على كرسي، بدأ يعتقد أنه السلطان سليمان، وانتهى به الأمر كـ”نص سليمان ونص فاسد”.
الشعب لا يحلم بالسيطرة، بل يحلم بـ”ساعة انترنت ما تفصل”، وبـ”غاز من دون وساطة”، وبأن يستيقظ يومًا ويجد خبرًا عاجلًا:
“الراتب نزل”.
قيادة تحب شعبها؟ يا لها من نكتة
في دول الخليج، الحاكم يخرج على الشعب بقرارات تخفيض الضرائب وزيادة الرواتب.
في اليمن، يخرج المسؤول ليقول: “على الشعب أن يتحمل مسؤوليات المرحلة”، ثم يركب طائرته الخاصة إلى مكان فيه كهرباء وكرواسون.
القيادة الحقيقية تحب شعبها. أما في اليمن، فقيادتنا تحب حساباتها البنكية أكثر.
الخاتمة: ثورة… أم نفاد شحن؟
اليمني ليس خاضعًا، بل مؤجلًا. قد لا يثور الآن، لكنه يتخمّر ببطء.
قد لا يصرخ، لكنه يسجل كل شيء. في يوم ما، قد ينهض ليقول: “لا أريد إسقاط النظام… فقط أريد دولة تحترمني، ولا تقتلني في الطريق إلى المدرسة.”
وحينها، لن تنفع المصفحات، ولا اللجان، ولا الخطابات المعلبة.