وصايا الخراب…..بقلم محب خيري الجمال

وصايا الخراب
احرصْ أن تُولدَ بلا شفتين،
فاللغةُ فخٌ يتنكرُ على هيئة صلاة.
لا تلمسِ الترابَ كثيرًا،
إنه يشتكي للسماءِ
من أقدامِ الفقراءِ التي تُدقُّ فيه كالمسامير.
لا تمشِ منتصبًا كأنك لا تعرف،
كلُّ من مشى مستقيمًا انشقَّت تحته الأرضُ
أو فوقه السقفُ في استراحةِ الوطن.
ارسمْ خريطةً لوجهكَ فقط،
أما البلادُ… فهي كذبةٌ تزوّجتْ من خيالٍ مبتور
وأنجبتْ وزراءَ وسماسرةَ قمح.
حين يُطلقون النشيد،
تراجعْ خطوةً إلى الوراء،
فالطبولُ لا تُفرّق بين الرقصةِ والمجزرة.
ستأتيك الكاميرا لتُجري لقاءً،
قل لها:
لا أملكُ وجهًا يصلحُ للبث،
وجيبي لا يتسعُ لخبرٍ عاجلٍ آخر عن مجزرةٍ قديمة.
لا تصغِ كثيرًا للمذيع،
إنهُ ابنُ خزانةِ ملابس،
يتبدّلُ كالحربِ كلَّ موسم.
وحين تسألُك أمُّك:
لماذا لا تضحك؟
قل لها: الضِحكُ تسرّبَ مع الحليب،
ومذّاك لم يدخلْ شيءٌ حلالٌ إلى هذا الجسد.
أحبِبْ بصمتٍ،
فالحبُّ في العلنِ يُصنّفُ خيانة.
حتى الوردُ صارَ يضعُ كمّامة،
خشيةَ أن يُصابَ بعطرِ امرأةٍ جائعة.
لا تتأملِ الغيوم،
إنها تضحكُ علينا منذ الأزل،
تهددُ بالمطر
ثم تُقيمُ حفلةَ شواءٍ في الهواء.
إن سألوكَ عن دينك،
قل لهم:
كنتُ أُصلي خلفَ نافذةٍ مكسورة،
لكنهم حوّلوا النافذةَ إلى منبر
وتركوا الكسورَ في صدري.
وحين تصلُ إلى آخر العمر،
لا تُدوِّنْ وصيتك،
فمن سيقرأها.
قد باع حروفهُ لشركةِ إعلانات
وابتلعَ القلمَ خوفًا من فكرة.
ثم،
إن اضطررتَ أن تموت،
فمتْ واقفًا،
وبحذائك المشقوق،
كي تُدخِلَ الطينَ إلى تاريخهم الملمَّع
وتفضحَ الكعبَ العالي الذي داسكَ باسم العدالة.
ولا تقلْ لأحدٍ وداعًا،
فالذين ودّعناهم
ما زالوا يطلّون من فوهةِ البندقية،
ويبتسمون للرصاصةِ القادمة،