د. فيروز الولي تكتب :”نصرة غزة بصاروخ يشبه الأذان ولا يصلي”

في بلد يُقال إنه “سعيد”، تحوّلنا بقدرة قادر إلى دولة تديرها جماعة شعارها “الموت لأمريكا”، لكنها تتفاوض معها كل أربعاء. عبد الملك الحوثي، الشاب الذي خرج من صعدة يومًا ليُعيد ترتيب اليمن على طريقته، بدأ بخطبة وانتهى بتسليم ميناء، مرّ من بناء الدولة إلى بناء الجبهات، حتى صار المواطن لا يعرف هل هو يعيش في جمهورية، أم محمية، أم فرع مغلق لشركة تصدير شعارات.
منذ بداية “عاصفة الحزم” التي لا تزال تهز اليمن ولا تحزمه، مررنا على مواسم كثيرة: موسم الأمل، موسم الحصار، موسم المجاعة، ومؤخرًا موسم “نصرة غزة عبر باب المندب”. الجماعة قررت أن تصبح ذراعًا إقليمية، لكنها نسيت أن الحديدة بلا كهرباء، وأن المواطن لا يجد اسمنتًا يبني به قبره.
ومع أن الشعب كان ينتظر الكهرباء والماء والدواء، أرسلوا له “صاروخ إرعابي” يخرج من صعدة كل أسبوع، يهدر في السماء كالأذان لكنه لا يصلي، لا يُصيب ولا يُشفي الغليل. مجرد ضجيج يذكّرك أن الجماعة ما زالت “صامدة”، لكنها فقط لا تفعل شيئًا.
ثم دخلت أمريكا، ليس دفاعًا عن أحد، بل لتجربة صواريخها الجديدة على رمل مأرب وصخور الجوف. تفاوضت، قصفت، زعلت، ثم أعلنت “نهاية الحرب” بعد أن شعرت أن الوضع صار مثل حفلة زفاف بلا عروس.
وإذا بأُمّ إسرائيل تدخل الخط فجأة، لا تصريح ولا تحذير، فقط قصف دقيق: موانئ، مصانع، محطات كهرباء، ومطار كان بالكاد يستقبل “مسافرًا وسطل زبادي”. الجماعة لم ترد إلا بالوعيد، وربما بودكاست.
دعونا نتخيل لحظة.. فقط لحظة، أن الجماعة قررت منذ البداية أن تحكم كدولة، لا كفرع شركة شحن. ماذا لو استثمرت الأموال في الزراعة، لا في الزنابيل؟ في الجامعات بدل مناهج الكهف؟ أن تحارب الفساد لا أن “تستوعبه” في مناصب حساسة؟ اليمن كان ليكون قوة إقليمية، لا منصة إطلاق بيانات.
لكن للأسف، اختاروا الطريق الأسهل: الحرب، الخطابات، واللجان الثورية التي لا تثور إلا على المواطن.
اليمن اليوم يشبه رجلًا يريد دخول المونديال، لكنه لا يمتلك حذاء. يريد أن يقارع إسرائيل، وهو لا يستطيع تصليح محول كهرباء في إب. شعار الجماعة أصبح: “سوف نحرر القدس.. بعد أن نجد البنزين.”
وفي ظل هذا الكوميديا السوداء، المواطن لا يجد غير الحوقلة، والصبر، وبعض النكات. مثل: “هل صحيح أن إسرائيل قصفت ميناء؟”
الجواب: “نعم، لأنه كان مغلقًا وشكله بيغدر فيهم!”
في النهاية، لن نسأل: إلى متى؟
بل: هل ما زلنا نعيش؟ أم أننا في فيلم كوميدي كتبه إبليس نفسه، ووزع الأدوار على كل من قال: “يا ليتني كنت قائد جماعة؟”