صرخة وطن مفجوع…..بقلم خير الله قاسم

صرخة وطن مفجوع
ليتني ظلُّ نخلةٍ
أغفو على خاصرتك اليابسة،
أراني ولا تراني،
تكتبني ريحُ المساء على الرمل،
ثم تمحوني.
ليتني ماءٌ في جرارك القديمة،
تنساه الجدّات في الزوايا،
لكنّه يعود
كلّما عطش النسيان.
ليتني نارُ المواقد في ليالي الحصار،
أدفّئ خوفك،
وأحرق خريطةَ الغزاة.
ليتني جدارًا لم يُهدم بعد،
لم تُغرِه الاتفاقيات،
ولا مَصافحَةُ اللصوص.
ليتني صوتكَ حين قُطِع،
دمعُكَ حين جفّ،
وصبرُكَ حين خانك الكَتف.
ليتني وجعُكَ،
كي أكون فيكَ
أصدقَ من نشيد،
وأبقى من عَلَم.
ليتني الوطن،
قبل أن يُقسَّم،
قبل أن يُساوَم،
قبل أن يُباع مع الرمل والموج والنشيد…
ليتني…
كلّ الذين
لم يبيعوك
لَيْتَنِي أَنْتَ
لَيْتَنِي الفَمُ المُفْجُوعُ بِصَمْتِك،
لَيْتَنِي الجُوعُ الَّذِي يَسْكُنُ أَطْفَالَكَ،
لَيْتَنِي مَا فِيكَ… كُلُّ مَا فِيكَ:
حَجَرُكَ، وَمَاؤُكَ، وَمِلْحُ بَحْرِكَ الَّذِي بَاعُوهُ بِوَعْدٍ كَاذِبٍ،
وَبَاعُوا مَعَهُ صَوْتَكَ، وَرُوحَكَ، وَأَغَانِيكَ.
لَيْتَنِي كُلُّ جُرْحٍ صَغِيرٍ فِي خَرَائِطِك،
لَيْتَنِي تِلْكَ الخَطُوطُ الَّتِي مَحَاهَا السَّمْسَارُ،
وَخَانَهَا السَّاسَةُ،
وَغَسَلُوا أَيْدِيَهُمْ بِمَاءِ وُعُودٍ فَاسِدَة.
يَا وَطَنِي،
مَنْ خَانَكَ لَمْ يَكُن يَجُوعُ،
بَلْ أَكَلَ مَائِدَتَكَ، وَنَامَ عَلَى ضِلُوعِك،
ثُمَّ بَاعَ كُلَّ شَيْءٍ… لِيَبْقَى!
وَأَنْتَ، أَيُّهَا الشَّعْبُ،
كَيْفَ تَحْتَمِي؟
وَالمَاءُ لَيْسَ مَاؤُكَ،
وَالبَحْرُ لَمْ يَعُدْ لَكَ،
وَالفَمُ المُفْجُوعُ فِيكَ يَصْرُخُ،
وَلَا أَحَدَ يُجِيب…