السفير أيمن زين الدين يكتب :تطورين بالغى الأهمية فيما يتعلق بالحرب على غزة

شهدت الساعات الأخيرة تطورين بالغى الأهمية فيما يتعلق بالحرب على غزة:
١. قرار إسرائيل رفع الحصار عن القطاع، والسماح بدخول المساعدات بكميات وفيرة، ليس فقط بالإسقاط الجوى كما تردد صباح اليوم، وإنما أيضاً عبر مختلف المعابر، ومن خلال الأمم المتحدة والمجتمع المدنى الدولى، وتخصيص ممرات آمنة لتدفقها وفترات توقف للقتال للتمكين من توزيعها……
٢. التسريب المهم الذى نقله موقع أكسيوس (ذو المصادر الموثوق فيها) من أن الولايات المتحدة وإسرائيل يبحثان منهجاً مختلفاً لمفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار فى غزة، وأن تفكيرهم يتجه إلى الانتقال من المنهج المتدرج إلى فكرة الصفقة الكاملة، التى تشمل تسليم كل الأسرى فى إطار عملية تبادل واحدة، ووقفاً دائماً لإطلاق النار فى اطار شروط وترتيبات دائمة، بعدما أثبت المنهج المتدرج عدم بفاعليته فى هذه المرحلة….
من شأن هاتان الخطوتان -اذا حدثتا- العودة بالمفاوضات إلى نقطة البداية، ولكن على مسار جديد يستهدف الوصول إلى صفقة متكاملة (كما كانت نطالب حركة حماس منذ البداية، وما تطالب به عائلات الأسرى الإسرائيليين)، وبالتبعية اسقاط ما تم الاتفاق عليه فى المفاوضات السابقة، وطرح كل القضايا فى أى مفاوضات جدبدة، بما فيها قضايا ما بسمى باليوم التالى (ويبدو أن رفع الحصار هدفه توفير الظروف المناسبة للانتقال إلى هذه المفاوضات التى ستكون ممتدة زمنيا واكثر نعقيدا)…. والحقيقة أن رفع الحصار ينهى أحد أهم العوامل التى كانت تضغط على حركة حماس فى المفاوضات، كما يمثل، فى نفس الوقت، اعلانا بفشل مشروع “مؤسسة غزة الإنسانية” (الإجرامية)، واستحالة استبعاد الامم المتحدة من عملية توزيع المساعدات…..
ربما كان الداعى الى هذا التحول فى استراتيجية التفاوض هو الرغبة فى تجنب أن تضطر إسرائيل إلى تقديم ما تعتبره تنازلات جوهرية فى إطار اتفاق جزئى، ثم تكون مطالبة بتقديم المزيد من “التنازلات” مرة أخرى فى الاتفاق النهائى، بحيث تكون هناك حزمة “تنازلات” وحيدة تقدم فى إطار الاتفاق النهائى، ليمكن تسويقها الرأى العام الإسرائيلى كثمن لاستعادة كل الاسرى، ولإنهاء حرب انهكت الجيش والاقتصاد والمجتمع….. والحقيقة أن مصلحة نتنياهو السياسية ايضا تستدعى عدم “تقسيط” ما سيضطر لخوضه من معارك سياسية للدفاع عما يتفق عليه مع حماس….
تصورى أن هذا التحرك تم التخطيط له خلال الأيام الاخيرة. وان الحركة المسرحية التى افتعلنها الدولتان بالإعلان عن فشل مفاوضات الدوحة، كانت فى إطار التمهيد لهذه النقلة، التى تأتى، فى جانب هام منها، نتيجة للرغبة الملحة فى تخفيف الضغوط العالمية الشديدة التى تتعرض لها إسرائيل، والسعى الى الحد من الأضرار الناجمة عن استمرار الأوضاع الحالية، وبوجه خاص التدمير الشديد الذى يلحق بسمعة إسرائيل ومكانتها عالمياً، بل وتفكك التفاف الجبهة الداخلية فى إسرائيل حول الحرب، وتصاعد موجة المعارضة فى الرأى العام لما يتكشف من ممارسات إجرامية فى غزة……
الا هذا التحول لا يكفى وحده للتعامل مع أكبر تحدى تواجهه إسرائيل حالياً، وهى الازمة التى يعانى منها الجيش الاسرائيلى من حيث حالة الارهاق الواسعة التى تعانى منها القوات، وتصاعد موجة التغييب أو رفض الخدمة بين الجنود النظاميين والاحتياطيين، واستنزاف المعدات والذخيرة، واستمرار نزيف الخسائر البشرية بين الجنود على يد المقاومة الفلسطينية…. وربما كان تصور نتنياهو هو أن فك الحصار على غزة -إذا تم تنفيذه والاستمرار فيه- وفترات الهدوء الانسانية، ستشترى للجيش بعض الوقت إلى ان يتم التوصل لاتفاق نهائى…..
المشكلة هى أن مثل هذا المناورة ستكون مثمرة فقط إذا كان نتنياهو مستعدا لتقديم الثمن الذى لن تتنازل عنه حماس مقابل الإفراج عن الاسرى الإسرائيليين، وهو وقف الحرب، والانسحاب الكامل من القطاع، واطلاق سراح عدد كبير من المسجونجين الفلسطينيين….