حسام السيسي يكتب :من توربينات إيران إلى ماكينة الوهم

رسميًا، أعلنت روسيا استبعاد شركة “سيمنز” الألمانية من مشاريعها، واستبدالها بتوربينات صناعية متقدمة من إنتاج شركة إيرانية.
الأمر لم يكن مجرد صفقة، بل رسالة قاطعة وسط العقوبات: دولة محاصَرة منذ أربعة عقود باتت تصدّر التكنولوجيا الثقيلة إلى قوة عظمى.
الخبر أحدث ما يشبه “خللًا في المعادلة الذهنية” بالنسبة لأي متابع عربي، وطرح سؤالًا مريرًا:
كيف وصلت إيران رغم الحصار والضغوط إلى هذه القدرة الإنتاجية؟
وكيف فشلت دولة كمصر، بتمويلات كبرى وانفتاح سياسي، في إنتاج توربين واحد أو بناء نموذج صناعي قابل للتصدير؟
الفرق لا يعود فقط إلى سياق دولي مختلف، بل إلى رؤية داخلية نقيضة.
إيران اختارت منذ عقود أن تبني دولة إنتاج، بينما غرقت مصر في إدارة محتوى وصورة.
في مصر، نُحاصر ليس بسبب الخارج، بل بمنظومة داخلية تُعيد إنتاج العجز، وتروّج الوهم، وتُسخّر الإعلام لتزيين الفشل.
أرى الوجود المصري سائلًا رجّاجًا في زجاجة؛ هشًّا، متقلّبًا، تُحرّكه يدٌ خفيّة، وتوجّهه كاميرا لا تُظهر ما يجب أن يُرى.
الواقع عندنا يُبنى أمام الكاميرا، لا خلفها.
وما يُعرض على الشاشة ليس انعكاسًا لحالة وطن، بل توليفة محسوبة من رسائل تُنتج وتُصمَّم وتُمرر كأنها الحقيقة.
تُدار الدولة كما يُدار المشهد: مونتاج دائم، وزاوية واحدة فقط.
أ
في المقابل، إيران:
استثمرت في مراكمة المعرفة بدل استيراد المنجز الجاهز.
برامجها النووية، والصاروخية، والصناعية بدأت من الصفر، وتقدّمت بهدوء، دون إعلان “رؤى” فضفاضة ولا مؤتمرات ضوء وصوت.
بنت اقتصادًا مقاومًا، لا ناصعًا.
نعم، هناك تضخم ومشكلات، لكن هناك اكتفاء نسبي في قطاعات استراتيجية: الطاقة، السلاح، الزراعة، والبحث العلمي.
لم تُسخّر الإعلام لتجميل الفشل.
لم تقل إنها “تحكم العالم”، ولم تبنِ سردية تفوق زائف.
المواطن قد لا يكون راضيًا، لكن هناك مؤسسات تعمل على الأرض، لا على الشاشات.
الفرق بين إيران ومصر في هذه النقطة ليس بين دولة محاصَرة وأخرى منفتحة، بل بين دولة تُدير الواقع، وأخرى تُدير الانطباع.
وإذا كان الحصار اختبارًا لنية البناء، فإن مصر قد اختارت أن تحاصر نفسها داخليًا بمنظومة ترى في الإعلام بديلًا عن الإنتاج، وفي الماكياج بديلاً عن السياسة، وفي الحشد الوهمي بديلاً عن الإنجاز الحقيقي.