كتاب وشعراء

الوطن يا ولدي نعمة…..بقلم د. محمد محمود اسعد

قديماً، قالوا: “إن لم يكن لك كبيرٌ فاشتر كبيرا”، وانا أضيف: “إن لم يكن لك وطنٌ فابحث عن وطن”، فالكبير والوطن نعمتان لا نشعر بقيمتهما وضرورة تقديرهما إلا بفقدهما.
الكبير يا ولدي هو الناصح الأمين والسند الوتين، والوطن هو الحضن الواسع والقلب الجامع.
مهما يكن يا ولدي لا تعتاد نعمة وجودهما في حياتك لان اعتياد النعمة يُقلل من قيمتها ويجحد حقها وتصبح كأنها تحصيل حاصل.
قيمة الوطن يا ولدي أغلى من أي احتساب وارفع من أي مستوى، لأن الوطن نعمة عظيمة عليك شكرها وتعظيم قيمتها، لأنها مصدر للأمان والطمأنينة ومكان للراحة والذكريات والانتماء.
الوطن يا ولدي أكثر من أرض نأوي إليه متى نريد، إنما هو حضن آمن ومصدر فخر وهوية.
للأسف كثيرون يا ولدي لم يعرفوا قيمة الوطن إلا عندما تركوه لأي سبب كان سواء لسفر برغبة أو بإجبار، في غربتهم تراهم يعيشون على حب أوطانهم وذكرياتهم الجميلة فيها والارتباط بها مهما عانوا من قسوة المتسلطين عليها، مهما تغربوا عن أوطانهم، تبقى لهم لحظات مليئة بالهدوء ومفعمة بالذكريات، في كل شارع لهم فيه قصة ورواية، في كل مكان لهم فيه جمال واثر في القلب لا يفنى.
في غيابهم عن أوطانهم أجسادهم لم تعد قادرة على تحمل الصدمات ولا مقارعة الخطوب، أجسادهم أمست كقلوبهم بحاجة ماسة للراحة هناك، فمهما فعل المتسلطون في أوطانهم من تجفيف للجذور وتنشيف للبحور، وتهديم للجبال، وتقليع للأشجار، وتغيير ممنهج لمجريات الأمور لا تنضب أشواقهم لأوطانهم لأنها لهم الحب الخالص والشوق الجارف ومهوى الفؤاد فيها تسكن الروح مهما ابتعدوا خلال تغريبتهم القسرية، وتبقى أوطانهم لهم البوصلة التي تُوجه أسفارهم ولو بعد حين.
الوطن يا ولدي ليس إلا أم رؤوم لا يقصي أحدا من أبنائه مهما فعلوا، يعفو عنهم يسامحهم ويدعو لهم بالهداية، ينتظر عودتهم بفارغ صبر.
الوطن يا ولدي أب رحيم يحنو على أبنائه رغم كل ما تعرض إليه من ضغوطات، هو لا يهجرهم كما هم يفعلون، هو يحتويهم ويحنو على من تبقى منهم بود، ويأمل برجوع من ابتعد منهم واغترب، ويحزن بأسى على من اختطفته أيادي الموت بقسوة.
الوطن يا ولدي ليس جغرافية وتاريخ وحسب بل هو قلب كبير يحتوي الجميع، هو ليس سيفاً مسلطاً على رقاب أبنائه، وهو ليس بقوانين مشرعة لتهجير أولاده، هو أحياناً محكوم وغالباً مظلوم مثله مثلك ينتظر فرجا عاجلا ليعود كما كان حاضنا للجميع.
الوطن يا ولدي يبكي كما تبكي أنت وينزف كما تنزف أنت إن تسلط عليه أوغاد، وهو وجه صبوح وثغر مبتسم وقد مياس إن أداره حكماء.
اعلم يا ولدي أن الوطن لا يموت طالما يعيش في قلوبكم، صحيح أنه قد يمر بحالات من الضعف قد تصل لحد الانهيار نتيجة اضطرابات داخلية أو اعتداءات خارجية لكنه أبداً لا يموت، ولئن قيل ذلك فيكون القول مجازياً لا أكثر، لأن موت الأوطان إنما يرمز إلى فقدان القيم، والهوية، والاستقرار عند أبنائها. ولعل شيئا من هذا القبيل يحدث عندما تسيطر الأنانية عند السلطة المتحكمة فيه فينتشر الفساد في مفاصل الحكم والمجتمع ويتراجع الولاء ويتلاشى الانتماء، لكن رغم كل ذلك تعود الأوطان للحياة من جديد في أي لحظة بإرادة إبنائها وإعادة إعمارها على القيم والعدالة والعمل الهادف والمشترك.
مهما يكن يا ولدي، إن رحل عنك أبواك وأظلمت الدنيا في وجهك وكان لك وطن فأنت لست بيتيم ولا بمعزول عن الدنيا ولا تعيش في عزلة عاطفية، إن كان لك وطن فلك ظهر تستند إليه ولك حضن تأوي إليه دون خوف من قادم.
اعلم يا ولدي أينما كنت في هذا العالم الفسيح فلك حقوق على وطنك وله عليك واجبات. إما حقوق المواطنة فتأتي في تقديم التعليم والرعاية الصحية والعمل والحماية بما يضمن لك حياة كريمة ومستقرة، وأحيانا تتخطى هذه الحقوق حدود البلاد وتحفظ خارجها كالحماية وفقا للأعراف الدولية والقوانين والتشريعات. لكن يختلف مستوى تطبيق هذه القوانين وفقا لمدى متابعة التنفيذ. كثير ما نسمع عن تدخل سفارة بلد ما في متابعة شؤون مواطنيها المقيمين في بلد آخر حفاظا على حقوقهم المالية والإنسانية.
أما عن واجباتك كمواطن فهي توازي حقوقك، واهمها الدفاع عن وطنك وحماية حدوده ومصالحه وسمعته، واحترام قوانينه والالتزام بها، والمشاركة في نهضته وتنميته، والحفاظ على بيئته وممتلكاته العامة والعناية بموارده الطبيعية ومرافقه العامة. وحسن الانتماء إليه والولاء له.
كن فخرا لوطنك يا ولدي يكن فخرا لك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى