د. فيروزالولي تكتب :من فنادق العالم إلى منصة نيويورك: برلماني يبحث عن غزة ويهمس باليمن

في مشهد درامي هوليودي، يطل علينا النائب اليمني “سلطان سعيد البركاني” من على منصة الأمم المتحدة في نيويورك، حاملاً في جيبه “قضية غزة” وفي قلبه “العدالة الدولية”، وفي حقيبته… جهاز “زوم” و”سكايب” وكاميرا هاتف لإدارة برلمان غائب في وطن غائب عن وعي نخبه.
منذ أن ( خلع العداد )و بدلته المموهة وسلّم مفاتيح صنعاء، حمل البركاني حقيبته وتوجه نحو حدود الجوار. لا يعرف اليمنيون من يومها مجلس نواب فعّالًا ولا قرارات مصيرية، بل “جروبات واتساب” و”اتصالات مشفرة” من عواصم الفنادق الخليجية والعقارات الأوروبية.
لكن ها هو اليوم، من بين مقاعد نيويورك المخملية، يصدر كلمة “قوية”، قالوا إنها “هزّت أركان المؤتمر” كما تهز الريح أوراق الخريف. تحدث عن فلسطين، عن الأطفال في غزة، عن مبادئ الأمم المتحدة التي “فُرغت من محتواها”، وعن العدالة الدولية التي أصبحت تُمارس بالمزاج الغربي وبرعاية إسرائيلية.
وبينما كان الوفد الإسرائيلي يصعد إلى المنصة، انسحب البركاني انسحابًا بطوليًا يشبه انسحاب قواتنا من نهم والجوف والحديدة. مشهد احتجاجي نبيل، لا غبار عليه… فقط نسينا أن نسأل: هل ذكّر أطفال غزة بأطفال اليمن الذين تمضغهم الحرب منذ عشر سنوات؟ هل تحدث عن مجازر التحالف؟ عن الجوع، الحصار، انهيار العملة؟ أم أن “القضية اليمنية” مؤجلة إلى إشعار يحدده اللوبي الإعلامي الدولي؟
يتحدث عن الإنسانية وكأن البرلمان الذي يترأسه لم يتحول إلى نادٍ مغلق للهاربين من الاستحقاقات الوطنية، حيث تُدار الدولة من غرف الفنادق، وتُصوّت القوانين من مقاهي “الكوفي شوب” في جدة والرياض وأبوظبي. تذكر اليمن فقط في نهاية كلمته، وتحدث عن عملاء إيران، لكنه نسي أن يتحدث عن سماسرة المال العام، تجار الحرب، مالكي الفلل في أنقرة وشقق دبي، الذين يتقنون الرثاء أمام المايكروفون ويمتهنون الصمت عند الجرائم.
عشر سنوات والبرلمان اليمني مختطف، لا يجتمع إلا بالرموز التعبيرية، ولا يصدر سوى بيانات الشجب الإلكتروني. ورئيسه يتنقل من عاصمة لأخرى، يرفع شعارات كبرى ويغض الطرف عن صغائر المأساة. لا تشريعات، لا محاسبة، لا ميزانية، فقط “عدالة استعراضية” على خشبة مسرح دولي، والجمهور يصفق لأنه نسي أصل الرواية.
أما الحقيقة؟ فهي أن من لم يتكلم لأجل اليمن يومًا، لا يملك حق الحديث باسم فلسطين.