رؤي ومقالات

د.فيروزالولي تكتب:العصور الوسطى “بنسخة حديثة”… إنتاج محلي بدعم خارجي!

في زمن تتصل فيه الثلاجات بالإنترنت، ما زال بعض البشر يصرّ على الاتصال بالله عبر رقم مكتب الزعيم السياسي الذي يدّعي أنه المندوب الحصري للرب في الأرض. لم نعد بحاجة إلى آلات الزمن؛ بعض “قادة الأمة” تكفّلوا بإعادتنا إلى الوراء، وبخصم مغرٍ: موت مجاني، وفتاوى تُركب على حسب المزاج، وخراب شامل بنكهة ربانية.

نحن لا نحكم بالدستور ولا القانون، بل بـ”أحاديث مجهولة” اكتشفها الزعيم فجأة بين الكفتة والمضغوط، ثم نزلت على الأمة كالوحي، ومعها بندقية وسيف، وضريبة حرب تُسمى “تبرعات للجهاد” (تذهب إلى جيب القائد ومصاريف عائلته في تركيا).

السؤال الذي لم يُجب عنه أحد حتى الآن: هل نعيش في عصر إسلامي، أم في لعبة فيديو من إنتاج الشيطان؟

صراع السنة والشيعة: موسم جديد من “لعبة الكراسي”

لا تُخطئ، فالمسلسل قديم. بطولة: فرقة “الخلافة الراشدة” وفريق “الولاية الربانية”، إخراج: وكلاء الله على الأرض. إنتاج ضخم بتمويل خارجي، ومشاهد دموية مجانية للمشتركين في قناة “الفتنة لايف”. المشهد المعتاد: طفل يموت، قائد يصرخ، وخطبة جمعة تُفسر المجزرة على أنها نصر مؤزر للإسلام.

وفي الوقت الذي يناقش فيه العالم الذكاء الاصطناعي، يناقش زعماؤنا قضية أهم: هل يجوز حلق شعر الإبط قبل أو بعد البيعة؟

المعارضة: مهنة خطرة في زمن اللهو المقدس

إذا عارضت الإسلام السياسي، فأنت علماني مرتد. إذا عارضت الطائفية، فأنت عميل. إذا قلت “دعونا نعيش”، فأنت هدف مشروع للاغتيال… باسم الله طبعًا، وتوقيع “خالد بن الوليد” أو “علي بن أبي طالب” حسب المذهب المتاح في السوق.

في مناطقهم “المحررة”، الإنجاز الوحيد هو عدد السجون والمقابر. التعليم؟ رفاهية غربية. الصحة؟ ممنوع لأنها تُضعف الإيمان. الاقتصاد؟ يُدار بالدعاء وتبرعات “الأشقاء” الذين يدعمونهم علنًا ويحرقونهم سرًا.

مفارقة العصر: نحارب الغرب بملابسه وسلاحه وهواتفه

بعضهم يلعن “الكفار” كل صباح من على منصة يوتيوب (التي يملكها الكفار)، ويرسل تغريداته ضد الحضارة من هاتف “آيفون 14 برو ماكس”. يحاربون “المؤامرة الصهيونية” وهم يحملون رشاشًا أمريكيًا، مرتدين ملابسهم “الإسلامية” المصنوعة في بنغلادش بشعار شركة صهيونية الأصل.

الطائرات المسيّرة التي تقتل بها جماعاتهم الخصوم تُشحن من ألمانيا، والدولارات التي يوزعونها لشراء الولاءات تأتي من مصارف أوروبا، بينما يُقنعون العامة أنهم “يحاربون الهيمنة الغربية”. أرجوك، أخبرني كيف تحارب عدواً بمنتجاته؟ هذا ليس جهادًا، هذه دعاية مجانية لـأمازون!

“الإنقاذ الإسلامي”… نسخة محلية من يوم القيامة

يسمون أنفسهم “جماعة الإنقاذ”. والحقيقة أنهم “جماعة الإنهاك”. لا أنقذوا دينًا، ولا حفظوا وطناً، ولا احترموا عقلًا. فقط جعلوا من الله ستارًا لمشروعهم الدموي، ومن التاريخ تربةً خصبة لزراعة الخرافة، ومن الأمة مختبر تجارب.

في نظرهم: الأمة يجب أن تعود إلى الماضي، لا لتتعلم منه، بل لتُدفن فيه.

الختام: هل بقي عقل في رؤوسنا؟

الإسلام بريء منهم، والإنسانية منهكة بسببهم، والتاريخ سيجلدهم لا محالة. لكن الأهم: هل سنتوقف عن تصديق هذا السيرك؟ أم سنظل نرفع راياتهم ونسير خلفهم إلى الجحيم، هاتفين “الله أكبر” بينما الزعيم يودّعنا من الطائرة الخاصة؟

يا أمة ضحكت من جهلها الأمم… وضحكت أكثر على نفسها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى