قالت…..بقلم هنادي الوزير

أحتاجُ أن أخرجَ من هذهِ الدائرةِ،
لا لشيءٍ، إلا لأستطيعَ أن أكتبَ بشعورٍ عارٍ من القلق،
أُعَرِّي مشاعري عنكَ دونَ أنْ أَخشى أنك ستقرأَ كلماتي، فتَغبطَني… كما كنتَ تفعل!
شيءٌ غريبٌ أنْ ينتهي ما بيننا، وما زلت لا أستطيعُ أن أكتبَ حرفًا واحدًا، خشيةَ أنْ تقرأني فتغضب!
دَرَّبتَني على الجُبنِ دون أنْ أعي ما سيؤولُ إليهِ أنْ تكتبَ وأنتَ تَخشى أنْ تُقرأَ بشكلٍ خاطئ!
وكم ألومُني على عدمِ إدراكي لكلِّ ما فعلتَهُ بي في وقته، وقتِ حدوثه!
أكتبُ الآن، وأنا أرتجفُ، بَدَني يهتزُّ كناقوسِ الخطر،
وأتساءل: أَلِهذهِ الدرجةِ كنتُ أَخشى غضبَك، دونَ حتى أنْ أَقترفَ خطيئة؟!!
لهذهِ الدرجةِ أَخشاك؟! حتى وأنتَ لستَ هنا؟
لِمَ كلُّ هذا الخوف؟
لِمَ أَشعرُ دائمًا أنكَ تُراقبني حين أكتب؟
لماذا كلما هَمَمتُ لكتابةِ جرحي… أَخشى جَرحَك، وأنسى جرحي؟
هل لأنكَ كنتَ تعلمُ جيّدًا كيفَ تُربكني؟!
لماذا أَبكي الآن؟!!
لماذا حين أكتبُ، يَتسلّلُ إليَّ شعورٌ بأنكَ تَقِفُ خلفَ كتفي، وتَبتسمُ بسُخريةٍ لأنكَ لا تُصدقني؟!
لماذا أَهتمُّ بكونكَ ستُصدقني أو لا؟
أنت لست هنا.
لماذا كلما حاولتُ أنْ أَصفَ مشاعري، شعرتُ بأنكَ تَرجُمني بحجرٍ يقسمُ رأسي ومصداقيتي إلى نصفين؟
لماذا كلما نَويتُ أن أكتبَها، أسمعُ صوتكَ في خلفيةِ رأسي، وأنتَ تتهمني بتَلفيقها…
لماذا أَسمعُكَ تَسبّني، وتُهددني، وتنهرني؟
أنت لست هنا.
لماذا تُذكرني بكَ كلُّ الصفحاتِ التي تكدّستْ بكلماتي، دون أنْ تَلتفِتَ لحقيقتها؟!!
لماذا كلما حاولتُ شرحَ نفسي، أَشعرني صوتُك أني كاذبة؟
لماذا لم تُصدقني في كلِّ المراتِ التي تقيأتُ ألمي فيها بينَ يديكَ حتى كرهتُ بَوحي؟!!
لماذا أَرتجفُ كلما نويتُ أن أكتب؟!!
فأنتَ لستَ هنا!!
ولن أضطرَّ أن أَبكي، وأُبرر، وأَشرح لأوضحَ لكَ ما كنتُ أَقصد!!
أَعلمُ أنكَ تعتقدُ أني أعيشُ حريتي الآن، حريةً ماجنة، كما كنتَ تُخبرني دائمًا!
أَعلمُ أنكَ تَمتلكُ يقينًا لا تُكذبهُ أبدًا؛ بأني قد وَجدتُ لكَ بديلًا،
في حينِ أني اعتزلتُ العالمَ بمنْ فيه.
وهذا ليسَ لكوني ما زلتُ أحتفظُ لكَ بمكانٍ بداخلي لا يَطَأُهُ غيرُك،
بل لأنَّ بداخلي رَفضًا قاطعًا لتَبادلِ أيِّ شيءٍ مع البشر!
أبتعد…
أصنعُ بيني وبينهم مسافاتٍ لا تُحصى،
أَبني حدودًا لا يستطيعُ مخلوقٌ أنْ يتعداها…
لم يَعُد بداخلي إيمانٌ بأحد،
لا أُمجِّدُ أحدًا،
لا أَهتمُّ أن أُبهِرَ أحدًا،
ولم يَعُد يُبهرني أحد.
اكتشفتُ أنَّ كلَّ منْ مجّدتُهم في قلبي،
أصبحوا ألدَّ أعدائي..
صَنَعوا العَداوةَ في كأسٍ مَسموم،
فَشربتُهُ كلّهُ وحدي،
وتَسمّمتْ روحي وماتت…
هناكَ أشياءُ يَصعبُ وصفُها أو الحديثُ عنها!!
أُتجاهلكَ الآن “بداخلي” كما تجاهلتني، عندما كنتُ أَموتُ في حضنك!!
أُتجاهلك…
مثلما تجاهلتَ يدي، وأنا أمدّها لكَ وأستغيثُ بك، ولم تُغِثني!
أُتجاهلك…
مثلما أَدرْتَ لي ظهرَك وأنا أَموت!!
أُطفئُ مَصابيحكَ في قلبي،
مثلما أَطفأتَ صوتي الذي كانَ يَنتفضُ في حنجرتي ولم تَسمعه…
مثل صوتكَ الذي رَدّدَ على مسامعي آلافَ المرات: “أني كاذبة”!
مثل الوحدةِ التي تتقاسمُ معي سريري في الليل…
أُتجاهلك…
مثل اللغةِ التي تُخفي مجازَها عنكَ!
رغمَ حبي لك…
كنتَ الألمَ الكبيرَ الذي الْتهمَ قلبي،
لأنَّ جوعكَ لإيلامي وتعذيبي كانَ أكبرَ من رغبتي فيكَ،
وحُلمي في عَيشِك كحياة.
هل هناكَ حياةٌ بعد الموت؟
” بوابات صوفيا