كتاب وشعراء

قالت الشجرة…..بقلم بسام المسعودي

قالت الشجرة
وكل شجرةٍ تحفظ ما لا يُقال:
الحطّاب خائن،
غرسني ذات طفولةٍ
كفسيلةٍ
من يد جدّته المدفونة
في تابوت الحكمة،
ثم عاد بفأسه،
كأنّ ذاكرة التراب لا تعنيه،
وكأنّ الغيم
لم يُحمل يومًا رسائل الطين إلى الله.
لم أُخلق لأُقطع.
لم أمدّ جذوري في الطين
لكي يسرقها فأسٌ بارد
نسي أن للأرض قلبًا،
وأن في كل شقّ من جسدي
دمعةً كانت لأم،
أو رعشةً لطفلٍ خائف
تعلّق بظلّي ذات قيظ.
أنا الشجرة،
ذاكرتي لا تشيخ.
كل خطوة تحت أغصاني
توشّمت في جذعي،
كل اعتذارٍ لم يُقال
نحت وجعَهُ في لحائي،
كل غصنٍ كُسر
بقي معلقًا كوصيّةٍ لم تُفهم.
الحطّاب لا يعرفني،
ظنّ أني خشبٌ
يبكي تحت سطوة الحديد،
ولم يرَ وجهي حين كنتُ
أحمي العصافير من الفزع،
وأحضن مواويل الريح
كأنها أولادي.
قالوا: إن القطع خلاص،
لكنهم لم يسألوا عن النشيد
الذي غادرني مع أول طعنة،
عن صوت النايات الذي كان يسكن أغصاني
ويرفعني نحو الله.
فأسه لم يقتلني،
بل قتل الحكمة التي
زراعتها الجدات بأيديهن.
ذات يومٍ كانت فيه الأرض
أقرب ما تكون إلى الجَنّة.
أنا الشجرة،
وأعرف جيدًا
أن الخائن لا يمشي دائمًا على قدمين،
أحيانًا،
يمشي على هيئة ظلٍ
يمتدّ ثم يقطع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى